في مدينة أنهكها الحصار وتجاهلها العالم، تتعمق أزمة العطش في تعز إلى مستويات غير مسبوقة، كاشفة فشلًا مروعًا للسلطة المحلية التي أثبتت عجزها المتكرر — تارة في توفير الكهرباء، وتارة في ضخ المياه، وكل مرة بذريعة جديدة.
ففي وقت يبحث فيه المواطنون عن عشر لترات من الماء كما لو كانوا يبحثون عن دواء نادر، تكتفي السلطة المحلية ومؤسسة المياه بإصدار الأعذار وتبادل التهم، متجاهلين واقعًا مأساويًا يزداد سوءًا كل يوم.
صهاريج المياه تُباع بأسعار جنونية — بلغ سعر الثلاثة آلاف لتر في بعض المناطق أكثر من 30 ألف ريال — وسط شحٍ خانق واضطرار السكان للتنقل من حي إلى حي فقط للحصول على شربة ماء. أما المياه المعبأة للشرب، فباتت نادرة ومكلفة، حتى "الكوثر" الشهير أصبح "مفقودًا من السوق".
الناشطون والمواطنون الغاضبون يتحدثون عن تمييز فج في توزيع المياه، أحياء تنعم بالضخ وأخرى تُترك لمصيرها، في وقت تؤكد فيه التقارير أن أكثر من 100 بئر مياه تقع تحت سيطرة الحوثيين في مناطق التعزية، وهي المصدر الرئيسي لمياه المدينة، ما يجعل المياه "رهينة سياسية" في صراع لا يرحم.
السلطة المحلية في تعز لم تكتفي بالفشل، بل تواطأت بالصمت. فلا خطط بديلة، ولا ضغط على المنظمات، ولا حتى توفير حلول إسعافية مؤقتة عبر دعم خزانات المياه أو تسهيل فتح محطات بيع المياه النقية، في ظل عجز المواطن عن مجاراة الأسعار والظروف الاقتصادية الكارثية.
في المقابل، تتواصل سرقة المياه من مناطق الضباب عبر صهاريج عملاقة لصالح مزارع القات، وتُنقل إلى مناطق بعيدة، بينما يلهث السكان خلف قُطرات الماء في قلب مدينة تتآكل من الداخل.
تعز اليوم ليست فقط مدينة محاصرة، بل مدينة منكوبة بالعطش والإهمال، مدينة تموت ببطء وسط صمت السلطة، وتجاهل الإعلام، وخذلان المنظمات، وغفلة من يفترض بهم أن يكونوا في صف أهلها.
ويبقى المواطن التعزي يرفع يده إلى السماء منتظرًا الغيث، بعدما خذله كل شيء على الأرض.