ها قد عبرنا بسفينة الوطن إلى شاطئ آمن.. نجونا بوطننا، وبأحلامنا، وبمستقبل أجيالنا. نجونا لأننا نستحق النجاة، ولأننا خضنا الموت والأهوال من أجلها. نجونا بوطن عظيم، وشعب حليم، وحلم كبير، وحقيقة دامغة لا تقبل الشك.
نجونا لأن حتمية القدر والمصير، وعدل الله العليّ القدير، كانا معنا وإلى جانبنا. نجونا لأن الله وعدنا، ووعدُ الله حق. قال تبارك وتعالى: «وعزّتي وجلالي لأنصرنّك ولو بعد حين».
نعم، عبرنا بعد أن قاومنا العواصف والأعاصير. صحيح أننا فقدنا أعزّ وأشجع الأبطال، نساء ورجالا، لكننا عبرنا. نحن اليوم على الشاطئ الصحيح، نعيد ترتيب الشراع لنبحر نحو مستقبل نصنعه بأنفسنا، لأننا نستحق الحياة، ولأن المستقبل يستحق أن نصنعه نحن بأيدينا.
ثلاثة عقود عاشها هذا الشعب وهو يُقتل ويُقمع، وتُصادر حقوقه، وتُنهب موارده، ويُصادر حتى صوته. صبرنا، وكافحنا، وناضلنا، وكبرنا على جراحنا، وكان الإيمان بالله قويا. كانت مواقفُ معظم العالم ضدّنا، لكن كان هناك ربٌّ لا يَظلم عنده أحد.
اليوم، ونحن نعيش أفراحا بعد أحزان، وسعادة بعد ألمٍ وجراح، لا نلتفت إلى الخلف إلا لنستحضر الشهداء والجرحى والموجوعين. لكننا لن نظل أسرى للماضي بكل ما فيه. هدفنا المستقبل، ورؤيتنا تتجه إلى هناك، حيث العمل، والبناء، والاجتهاد.. إلى تحقيق حلم الشهداء الذي طال انتظاره.
اليوم نقول للعالم: لسنا شعبا عابرا في دفتر الهزائم. نحن الذين تعلّمنا الصبر، لا لأننا نحبّه، بل لأن البديل كان الانكسار.
يا جنوب، يا من أُنهكت بالحروب، وخُذلت بالوعود، واستُنزفت باسم مشروعٍ مضلِّل سُمّي زورا «الوحدة»، ثم تُركت وحيدا في العراء، تعدّ خسائرك، وتدفن شهداءك، وتبتلع وجعك بصمت.
كل ذلك حتى لا يُسرق دمُنا ثم يُطلب منا التصفيق، وألا نُجلد باسم وطنية عوراء، ولا نُخوَّن لأننا رفضنا مشاريع الإرهاب، ولو كانت مغلّفة بخطابات سياسية مضلِّلة.
فما سمّي مشروع «الوحدة اليمنية» لم يكن وحدة، ولا أخوّة. لم نرَ فيه اتحادا، بل رأينا إرهابيين يقتلوننا باسم أننا «غير مسلمين».. زرعوا الإرهاب في بلدنا ليقولوا للعالم إن الشيوعيين السابقين أصبحوا تنظيمات إرهابية.
برروا حربهم علينا، وقتل الأطفال والمستضعفين، بذريعة أنهم «يعلّموننا الإسلام».. ذلك الإسلام الذي جرّدوه من معانيه الإنسانية، واختزلوه في جماعات متطرفة لا تقتل إلا الجنوبيين، ولا تفجّر إلا في أرض الجنوب. تنظيماتٌ إرهابية وحدوية النشأة، وحدوية الهدف، وحدوية العمل.
ثم رأينا الخطاب ذاته يتكرر؛ قتلونا مرة أخرى، باسم أننا «مسلمون متطرفون»، وها هم اليوم يحشدون مرة أخرى باسم أننا «يهود أو موالون لإسرائيل». لكنها الثالثة ثابتة. لا أحد يستطيع ليَّ ذراعنا بعد اليوم. خذوا مبرراتكم لكم، ومشاريعكم لكم، فلن تخدعونا بعد الآن.
نقولها اليوم بصدر مشبع بالانتصار، وقلبٍ يرجف بالعزة، ورأسٍ مرفوع الهامة: انتصرنا، وانتصرت إرادة هذا الشعب العظيم. وما النصر إلا من عند الله. انتصرنا، لا لأن العالم أنصفنا، بل لأن الله لم ينسنا.
شكرا لكل من وقف معنا، ولو بكلمةٍ صادقة، أو موقفٍ شجاع. وشكرا لأشقائنا الذين لم يتخلّوا عنا؛ فما فعلوه سيظل دينا في أعناقنا، وإنّ الدَّين عند الكرام لا يُنسى.
- من صفحة الكاتب على إكس