شنّ الحوثيون وإخوانهم، حملة إعلامية منسّقة ضد قوات المقاومة الوطنية، متخذين من تقرير لوكالة أسوشيتد برس حول "مدرج جزيرة زقر" مادة لتأويلات جاهزة، تُعيد إنتاج السردية ذاتها التي اعتادوا عليها كلما اقتربت أيّ خطوة تنموية من أن تُترجم إلى إنجاز وطني على الأرض.
يُخيل لمن تبنى خطاب المليشيات أن وجود مطار في زقر هو مادة أو مسألة فضائحية، وليس شأن استراتيجي تنموي يخدم الأمن الوطني والإنساني في آنٍ واحد.. ولأنه شأن عسكري فقد عزف إعلام المقاومة الوطنية عن الرد، فليس من صلاحيتهم الخوض في هكذا أمر.
ولأنني لا أدرك حقيقة المطار من عدمه، غير أن وجوده في جزيرةٍ تبعد نحو 90 كيلومترًا عن الحديدة، هو ضرورة لوجستية في مسرح عمليات يتقاطع فيه البحر مع الممرات الدولية، وبالقدر نفسه هو قرار سيادي واحتياج جغرافي، ولن يكون مجرد نزوة عسكرية، فالمنطق الجيوبوليتيكي يؤكد أن من يسيطر على الجزر، يملك مفاتيح الأمن في البحر الأحمر، ومن ينشئ عليها بنية تحتية، يؤسس لحضور دولة، لا لقاعدة مرتزقة كما يصوّرها الحوثي وإخوانه.
المدرج، إن وجد، هو امتداد طبيعي لفلسفة المقاومة الوطنية التي لم تحصر نفسها في حدود المعركة الميدانية، هي التي تدرك أن الحرب ليست نقيض التنمية، فالتنمية هي وجه الحرب الآخر حين تكون الحرب دفاعًا عن الدولة لا وسيلة لابتلاعها.
أنشأت المقاومة الوطنية مطارا في المخا، وسلمته لمؤسسات الدولة التي تنتمي لها، وهكذا بقينا نؤمن أن المقاومة الوطنية هي الجزء الحيوي والحي في الدولة حين ماتت الأجزاء الأخرى، أو تعرضت للبتر، أو ذهبت لبناء مؤسسات خاصة موازية للدولة، واستغلت سطوتها وحضورها في الشرعية لابتلاعها من الداخل.
في جميع المواقف أثبتت المقاومة الوطنية، بتشكيلها وقيادتها ومرجعيتها، أنها يمنية خالصة، تنتمي للأرض أولا وللرمزية ثانيا، ولا ترتبط بأي أجندة خارجية سوى أجندة اليمن الكبير الذي يحاول الحوثي وإخوانه تفكيكه إلى كانتونات تابعة لولاية الفقيه أو المرشد.
المؤسف أن هناك من يتبنى خطاب المليشيات، هو الذي يدرك تماما أنه وبينما الحوثي يزرع الأرض برا وبحرا بالألغام، تحاول المقاومة أن تزرع مدارج وموانئ ومرافئ حياة..!!
لتعويم الرأي العام كان من السهل على الحوثيين ومن يسير في فلكهم أن يلوّحوا بورقة التمويل الإماراتي كدليل على التبعية، غير أن الحقيقة أكثر تعقيدًا وأعمق من هذا التبسيط الشعبوي، فالإمارات، التي دعمت إنشاء مطار المخا المدني، لم ترسل قوات إلى زقر، بل دعمت القوات اليمنية ذاتها التي تحمل المشروع الوطني، ولو كانت المسألة توسعية كما يروّجون، لكانت القوات في زقر إماراتية لا يمنية.
لقد شكل حضور الإمارات في كل الجغرافيا اليمنية، بدءا من مأرب ثم عدن وانتهاءا بالساحل الغربي، شكل دعما لمشروع الدولة اليمنية لا استبدالها، وإن كان هناك من يلوح بورقة الاستثمار، فالحقيقة أنه استثمار في أمن البحر الأحمر الذي تتقاطع فيه مصالح العالم بأسره، لا مصالح دولة واحدة.
تذكرنا الحملة الحوثية اليوم بتلك التي سبقتها ضد مطار المخا، حين جرى وصفه بأنه مطار عسكري، واكثر من ذلك تعرّض لمحاولات استهداف وتخريب قبل أن يُفتتح، والمفارقة أن المقاومة الوطنية حينها آثرت الصمت، حرصًا على عنصر المفاجأة في مشروع مدني يخدم اليمن بأسره، ومن ضمنها المدن الخاضعة لسيطرة المليشيا.
غير أنني أعيب على اعلام المقاومة الوطنية صمته اليوم، وهو صمت لم يعد ممكنا، فالأطراف المتخادمة مع الحوثيين باتت تشن حملات استباقية لإحراق أي مشروع حياة قبل أن يولد، تمامًا كما فعلت مع مطار المخا، الذي تحوّل لاحقًا إلى شاهد على نية وطنية خالصة لبعث الدولة من رماد الحرب، ومع ذلك استغلت بعض الأطراف حضورها في الشرعية لإحراقه حتى وهو يرى النور اليوم، وعلى نحو عجيب يتحدثون عن مدرج في زقر، ويصمتون أمام التهديد الإيراني في البحر الأحمر، بينما يدركون في الوقت ذاته أن مشروع الحوثي ليس سوى امتداد لذلك التمدد.
ولكي لا نطيل، نؤكد أن كل مطار في جغرافيا المقاومة الوطنية هو إعلان سيادة، وكل حجر بناء في سواحلها هو صفعة على وجه المشروع الإمامي ومن لا يريد لزقر أن يكون فيها مطار، فهو لا يريد لليمن أن تستعيد حضورها على خارطة العالم، والبحر الأحمر تحديدا.
من صفحة الكاتب على موقع فيس بوك