أعتاد أبناء اليمن أن يتعاملوا مع بقايا دخلاء الكهنوتية السلالية وفقًا لمنظومة قَيِّمهم الحميدة، وبمقتضى البنية النفسية والاجتماعية الإنسانية الطبيعية، وبناءً على مصفوفة طباعهم النبيلة، وطبقًا لأعرافهم وأسلافهم التاريخية والحضارية الممتدة؛ ولكن دون إدراك تام بـ المنظومة اللاقَيِّمية للكهنوتية أو معرفة عميقة للخارطة السلوكية الخاصة بـ السلالية، التي تختلف كليًا عن الخصال الكريمة لأبناء اليمن. بالمقابل، تتعامل الكهنوتية السلالية مع أبناء القبائل اليمنية بناءً على دراية تامة بمصفوفة قَيِّمهم، وانطلاقًا من معرفة متكاملة لمنظومة طباعهم وأعرافهم، وبموجب اطلاع غائر على أنماط تفكيرهم؛ واستطاع دخلاء السلالية عبر الدراية والمعرفة من توظيف كافة الثغرات والنفاذ من خلالها للتلاعب بعواطف أبناء اليمن، واستغلال مشاعرهم، واستثمار منطلقاتهم، وحرف بوصلة توجهاتهم، وتمييع قضاياهم، ووضع المُجرم الدخيل بدور المصلح الاجتماعي الوديع!. والنتيجة من ذلك، وقع أحفاد سبأ وحِميّر لقرون طويلة في انتكاسات متعددة، وعصفت بهم الأحداث ودفعتهم للسقوط في نفس المَطَبّات وتكرار نفس الأخطاء وصولاً للهزائم المتوالية؛ وذلك نظرًا لعدم معرفتهم وإدراكهم لخارطة المنظومة اللاقَيِّمية للكهنوتية السلالية الزيدية، والتعامل معهم وفقًا لها!.
ونلحظ بين الحين والآخر ظهور أصوات نشاز تردد بصيغة عامية شعار "مش كلهم"، انطلاقًا من منطق أن التعميم مغالطة منطقية؛ ولكن واقعيًا التعميم في حالة الكهنوتية السلالية نتيجة منطقية صحيحة مُثبتة عبر التجارب المُعاشة والدروس المستفادة المتعددة، وأقل ما يقال عن صحة تلك النتيجة أنها إجراء احترازي وتدابير إلزامية مطلوبة!. والمعضلة الكبيرة أن المُصابين بلوثة الموروث الزيدي البغيض ممن يمثلون الأدوات التاريخية القذرة للكهنوتية السلالية، أخذوا معظم تلك الخصال السيئة من قُدوَتهم، ونهلوا الصفات القبيحة من المنظومة اللاقَيِّمية لأسيادهم!.
ولكي نوضح الفقرات أعلاه، لا بد من أن نستشهد ببعض التوصيفات ونُشير لبعض الدروس المستفادة من تجارب أحرار الحركات الوطنية السابقة، ممن عايشوا فترة الإمامة الزيدية البغيضة، وتعاملوا معها عن كثب، ونقارنها مع ما نشاهده في وقتنا الراهن؛ وذلك للتحقق من تلك الأطروحات بأثر رجعي!. وفي هذا المقال، سوف استشهد ببعض ما قاله أبو الأحرار (الزبيري) واصفًا به المنظومة اللاقَيِّمية للكهنوتية السلالية بصورة صريحة وضمنية، مع إجراء بعض التعديلات التي تُسهم بنقل نفس المعنى والرسالة في سياق عصرنا الحالي دون خلل، وسوف أسلط الضوء في مقالات قادمة لما قاله بقية أحرار الحركات الوطنية السابقة عن المصفوفة السلوكية والبنية النفسية والاجتماعية للكهنوتية السلالية؛ وذلك لأخذ العِظة والعبرة والحيطة والحذر!.
يصف أبو الأحرار (الزبيري) في مواضع متعددة من مؤلفاته عن خلاصة تجاربه ومعايشته ومراقبته لدخلاء الكهنوتية السلالية على أنهم: كائنات بشرية غامضة، لا يُعرف مدى غورها، ولديها طاقة غريبة من الخداع والمكر المٌعقد المُتحلل من كل القيود، وبأنها متحللة من كل القَيِّم الأخلاقية والاجتماعية والسياسية التي تواضعت عليها المجتمعات الإنسانية، ومتحللة كذلك من كل الالتزامات سواءً القبلية أو العربية أو غيرها!. ويواصل أبو الأحرار وصفه بأن بقايا الكهنوتية السلالية غير مرتبطة بأي قانون معروف في الحياة حتى القوانين الطبيعية، النفسية منها والاجتماعية، ولديهم قدرة عالية من الحيل والألاعيب والمناورات التي ليس لها حدود، ولا يعيشون على رأس حكومة حقيقية وإنما يتزعمون فوضى بدائية شاملة!. ويُوضّح أبو الأحرار بأن نوايا السلالية المُتخفية وممارساتها السيئة المخادعة، تجعلهم يذهبوا ويسيروا مع مناهضيهم إلى كل مذهب من الخداع، وإلى كل كذب من الوعود، وإلى كل بطولة مسرحية من الحبر والورق والمواثيق والمعاهدات والتصريحات الحماسية المدوية من دون أن يلتزموا وراءها بأي التزام حقيقي!.
ويُشير أبو الأحرار بأن أحفاد الرّسّي متحللون من العصر الذي يعيشون فيه، يعيشون صباحًا في القرن العشرين ومساءً في القرن الخامس عشر، ويتكلمون بلغتين مختلفتين تمامًا، يتحدثون مع الجمهوريين بلغة الجمهورية والديمقراطية، ويتكلمون مع المُضللين من أبناء الشعب بلغة الحاكم بأمر الله، ويتسترون داخل نطاق مفاهيمهم الكهنوتية الفريدة، ويختبئون وراء نصوص مذهبهم التدّجيني البغيض، ولا يتيحون لأحد قدرة على امتحان صدقهم أو اكتشاف ألاعيبهم!. ويبَيَّن أبو الأحرار بأن شظايا الطباطبائين أحاطوا الشعب بتضليل يعمي الأبصار، وجعلوه يعيش خلف ستار متوكلي متين سميك يبلغ سمكه عدة قرون، ولديهم ألوان متعددة تصيب أبناء الشعب بالضَرَارَة، وتلحق بمن يجلس بمجالسهم عِلّة فقدان البصر!.
ويكشف أبو الأحرار عن بعض أساليب الكهنوتية السلالية، قائلًا بأنهم لا يقولون "لا" في أي مجال من مجالات المعارضة والجدل والأخذ والرد، ويظهرون البساطة والطيبة والألفة، لا سيما عندما يكون مُخاطبوهم على شيء من القوة والمعرفة والإدراك بطرق أساليبهم المتنوعة!. ويُنبّه أبو الأحرار بأن الكهنوتية يظهرون لمُحدثهم أنهم أشد اقتناعًا منه بما يقول، وبذلك يلجمون لسانه ويخمدوا عواطف الحماس في صدره، فلا يستطيع أن يلوم ولا أن يغضب ولا أن يحكم ولا أن يتخذ أي قرار، كما لا يستطيع أن يجعل من نفسه رقيبََا دائمََا على رؤوسهم، وبذلك تتحلل نفسيته وأهدافه تحللََا تدريجيََا، فيموت إما موتََا حقيقيََا أو موتََا معنويََا!.
ويتعجب أبو الأحرار أن أولئك الدخلاء الغرباء قد يستقبلون شخصاً يريدون له الموت، أو يضمرون إيقاعه في مصيبة كارثية، ولا يواجهون أحداً بسوء القول ولا يستفزونه بالعبارات المثيرة، بل ينظرون إليه بابتسامة ملونة ويتحدثون معه بلغة معسولة؛ وكأنها حقنة مٌخدر، حتى لا يحس الضحية بعدها بآلام العملية الجراحية المدمرة، إلا بعد انقضائها!. ويُلوِّح أبو الأحرار بأن شظايا السلالية تقابل الوجهاء ورؤساء القبائل الغاضبين من سلوكياتهم، وتواجه الأحرار من أبناء اليمن الثائرين ضد ممارساتهم، وتغمرهم بـ الابتسامات والقبلات وعبارات الود والحنان والعطف، التي تُذيب ثورتهم وتعمل على تلاشي إرادتهم وصولاً لاسترخاء رجولتهم؛ فإذا بأولئك الثائرين الغاضبين يتحولوا بعد ذلك إلى وُدَعاء مسالمين خانعين، مسحورين متجمدين، وغير مُصدّقين لأنفسهم ولا لموقفهم ولا لقضيتهم ولا لتجربتهم التي يعيشونها، وقد يعود ذلك الزعيم أو الثائر إلى قبيلته أو قريته شخصاً آخر غير مّن كان!.
ويسترسل أبو الأحرار موضحًا بأن دخلاء الكهنوتية السلالية لا يظهرون مواقفهم العدائية ضد أحد، ولا يثيروا الغضب بطريقة استفزازية مباشرة، ولكن يلجأون إلى تغطية نواياهم بالمخالتة والمراوغة، وعندما يتمكّنوا من عنق الضحية، ويظفروا بها ظفرًا تامًا بحيث تصبح لا حول لها ولا قوة؛ حينها يبطشون بطشًا كليًا، وحينئذ يعلنون فقط موقفهم الحقيقي منها، حالهم حال ثنائية الثعابين السامة والعّاصرة!. ويحذر أبو الأحرار من أن الكهنوتية السلالية تتمتع بمواهب التمثيل بمختلف الأدوار المسرحية، حتى يبلغ بهم الأمر أنهم يبكون وينتحبون أمام عدوهم، ويذرفون الدموع السخينة ختلاً وبهتانًا، ليخدعوا هذا أو ذاك من أبناء الشعب اليمني، حتى تأتي اللحظة المناسبة للقضاء على الأحرار من خصومهم ومناوئيهم!.
وكأن "الزبيري" يقول باختصار أن دخلاء الكهنوتية السلالية مسوخ بشرية بمنظومة لاقَيِّمية ومصفوفة من الصفات القبيحة الدخيلة على المجتمع اليمني، وكأنه يُشير كذلك بأن المُصابين بداء الزيدية البغيضة من العكفة التابعين لأسيادهم تأثروا بتلك الصفات وحملوا جزء من تلك الخصال، وأن مشكلة أبناء اليمن تكمن بأنهم غير مُدركين لذلك ولا يتعاملوا معهم وفقًا لذلك؛ وهذا ما جعل أبناء اليمن يخسرون أمام شرذمة دخيلة صغيرة مائعة!. لذا، لا غرابة اليوم أن وجدنا بعض من يحملوا الموروث الزيدي يتضامنون مع أسيادهم من دخلاء الكهنوتية السلالية، ولا حيرة أن رأيتهم يبدلون أقنعتهم ويغيرون جلودهم بين الفينة والأخرى، فقد رضَعوا تلك الصفات من قُدوَتهم وتشرّبوها من مذهب أسيادهم!.
ختامًا، ما نشاهده اليوم هو نفس ما حذر منه ونَبّه إليه أحرار الحركات الوطنية السابقة قبل عقود عدّة -بل قبل قرون أيضًا-، ويجب أن تكون خارطة المنظومة اللاقَيِّمية للكهنوتية ومصفوفة الخصال السيئة للسلالية وأدواتها التاريخية القذرة، حاضرة في أذهان أبناء اليمن من أحفاد سبأ وحِميّر عند قرأتهم لأي مؤلفات أو مشاهدتهم لأي ابتسامات أو سماعهم لأي مجاملات أو أستقبالهم بالأحضان والقبلات أو لقائهم بعبارات الود والحنان والعطف أو الانتحاب وذرف الدموع، وغيرها من الأساليب ذات الصلة ببقايا أحفاد الرّسّيين الطباطبائيين والطبريين والباذانيين!. لذا، عاملوا الكهنوتية السلالية وقفازاتها التاريخية القذرة بحذر ونَبَاهَة وفقًا لمنظومتهم اللاقَيِّمية ومصفوفة صفاتهم الذميمة، لا بناءً على منظومة قَيِّمكم ومصفوفة طباعكم وأسلافكم وأعرافكم!.