حملت كلمة السفير أحمد علي عبدالله صالح الكثير من المعاني والدلالات، عكست إدراكه العميق للواقع السياسي والجغرافي ولمعاناة الشعب اليمني وهمومه وأوجاعه. جاءت كلمته بمناسبة ذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر معبّرة عن حال الوطن والشعب، حيث تجلت إرادة اليمن الجمهوري في خطابه الذي أعاد التأكيد على أن هذه الثورة لم تكن مجرد صفحة في التاريخ، بل كانت شرارة أضاءت الطريق نحو الجمهورية والحرية والمواطنة، وحطمت قيود الظلام والاستبداد التي عانى منها شعبنا طويلاً. وقد جاءت كخارطة طريق وطنية شاملة تحدد أسس التحرر من الطائفية والسلالية والخرافات، وتفتح أمام اليمنيين آفاقاً رحبة لاستعادة دولتهم وبناء مستقبل مشرق يليق بتاريخهم العظيم.
جاءت كلمة السفير وافية بالمعاني الثورية والدلالات الوطنية العميقة، حاملةً رؤية متجددة نحو المستقبل، حيث استعرض مسيرة ثورة 26 سبتمبر المجيدة باعتبارها محطة إنقاذ للشعب اليمني من الفقر والجهل والمرض والاستبداد وما حققته من نهضة شاملة في مختلف المجالات. كما تطرقت الكلمة إلى التضحيات الخالدة لشهداء الحركة الوطنية منذ ثورة 1948 مروراً بانتفاضة 2 ديسمبر، التي جسدت امتداداً للمسار الجمهوري، وفي طليعتهم الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح ورفاقه الذين ضحوا بدمائهم دفاعاً عن الثورة والجمهورية. وأشارت بوضوح إلى أن عودة الإمامة وأحفادها لم تكن لتتحقق لولا الخلافات داخل الصف الجمهوري، الأمر الذي استغلته مليشيا الحوثي للسيطرة على أجزاء من الوطن وفرض عقلية كهنوتية تدّعي الحق الإلهي في الحكم، في استدعاء مقيت للعقلية الإمامية الفاسدة.
ولم ينس السفير أن يبشر الشعب بقرب الفرج والخلاص، مشدداً على أن موعد الانتصار قريب، وداعياً إلى تبني مشروع وطني للإنقاذ دون تردد يلم شتات الصفوف ويوحد القوى الوطنية في مواجهة المليشيا، مؤكداً أن الوطن يتسع للجميع، ومجدداً العهد بالوفاء لدماء الشهداء وأهداف الثورة الخالدة.
كما حملت كلمته بعداً وطنياً شاملاً، إذ خاطب أبناء الشعب في الداخل والخارج، مذكراً إياهم بقيم الثورة والجمهورية والوحدة، ومشيداً بتضحيات الآباء الثوار الذين أسقطوا النظام الإمامي الكهنوتي. لم يكن هذا التذكير مجرد استدعاء للماضي، بل تحفيزاً للحاضر ودعوة صريحة لمواصلة المشوار الذي بدأه الشهداء والمناضلون الأوائل.
وكان أبرز ما ميّز الكلمة هو الربط بين ثورة 26 سبتمبر وثورة 2 ديسمبر باعتبارهما امتداداً واحداً لمسيرة التحرر الوطني، إذ دفع اليمنيون في كلتيهما دماءهم وأرواحهم من أجل الحرية وواجهوا مشاريع الاستبداد والكهنوت بروح جمهورية واحدة. وبذلك أرسى السفير معادلة وطنية واضحة: الثورة مسار متجدد ودماء الشهداء جسور تعبر بالأمة نحو المستقبل.
وفي تشخيصه لواقع الحال أكد السفير أن المليشيا الحوثية ليست إلا امتداداً للإمامة، تمارس نفس السياسات القائمة على الاستعلاء السلالي والادعاء بالحق الإلهي في الحكم، موضحاً أن هذه المليشيا حولت حياة اليمنيين إلى جحيم من قتل واختطاف وتفجير المنازل ونشر الجهل والفقر والتخلف. هذه الصورة السوداء نقلها السفير بواقعية من معاناة الناس اليومية.
غير أن الأهم أن السفير لم يكتفِ بالتشخيص، بل قدم وعداً صريحاً بأن الخلاص بات قريباً، مستنداً إلى حقيقة راسخة: الشعب اليمني الذي أسقط الإمامة بالأمس قادر على إسقاطها اليوم. هذا الخطاب يزرع الأمل ويرسم معالم مرحلة جديدة عنوانها المقاومة الشعبية والاصطفاف الوطني.
ومن النقاط الجوهرية في الكلمة الدعوة إلى اصطفاف وطني شامل بعيداً عن الحسابات الضيقة والانقسامات السياسية، فالخلاف اليوم ليس بين أحزاب أو تيارات، بل بين مشروع وطني جمهوري لبناء الدولة، ومشروع طائفي كهنوتي يسعى لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء.
كما أشاد السفير أحمد علي عبدالله صالح بمواقف الأشقاء في السعودية والإمارات ومصر وعُمان، معبّراً عن إدراك عميق بأن اليمن لا يمكن أن ينعزل عن محيطه العربي والإقليمي، وأن معركته ضد الحوثي والإمامة جزء من معركة أوسع لحماية الأمن القومي العربي. وأكد أن اليمن، متى ما استعاد دولته، سيكون سنداً لأشقائه وشريكاً فاعلاً في صناعة الاستقرار الإقليمي.
إن كلمة السفير أحمد علي عبدالله صالح لم تكن مجرد خطاب احتفالي، بل جاءت بحجم المرحلة التي يعيشها اليمن. فهي كلمة تأسيسية تعيد وضع النقاط على الحروف: جمهورية ضد إمامة، وحدة ضد تمزيق، وطن للجميع ضد الطائفية والسلالية. وهي كلمة ثورية تبث روح الأمل والقدرة على الانتصار في نفوس اليمنيين المنهكين من الحرب، وتحمل رسائل سياسية واضحة للداخل والخارج تؤكد أن المؤتمر الشعبي العام سيبقى في قلب معركة استعادة الدولة.
لقد رسم السفير ملامح مشروع وطني جامع يوازن بين التمسك بالثوابت الجمهورية والانفتاح على الأشقاء، ويضع خطاً فاصلاً بين القوى الوطنية الحرة ومليشيا الحوثي الكهنوتية. هذا المشروع، إذا ما تبنّته القوى الوطنية ومضت به قدماً، سيشكل المخرج الحقيقي من الأزمة.
بهذا الخطاب وضع السفير أحمد علي عبدالله صالح رؤية سياسية متكاملة أعادت الاعتبار للمشروع الجمهوري وفتحت آفاقاً جديدة أمام اليمنيين. فقد رسم معادلة دقيقة بين الداخل والخارج، مؤكداً أن وحدة الصف الوطني هي المدخل الحقيقي لاستعادة الدولة، وأن الانفتاح على الأشقاء يعزز قوة الموقف اليمني.
كلمة السفير تمثل بحق خارطة طريق لتحرير اليمن من براثن الطائفية والسلالية والخرافات، ودعوة صريحة للاصطفاف الوطني حول ثوابت الجمهورية. إنها رؤية واضحة لمستقبل ديمقراطي شامل يضم الجميع ويعيد بناء الدولة على أسس العدالة والمواطنة. وبينما يحيي اليمنيون الذكرى الـ63 لثورة سبتمبر والـ62 لثورة أكتوبر، يجدون في هذه الكلمة تجديداً للعهد مع الشهداء وإصراراً على أن الليل الطويل سيزول، وأن فجر اليمن الجمهوري سيطل حتماً مشرقاً وعظيماً كما أراده الأبطال.