أقدمت ميليشيا الكهنوتية السلالية وأدواتها التاريخية القذرة قبل أيام معدودة على قتل وسحل مواطن من أبناء وصاب بمحافظة ذمار؛ ولكن للأسف أن الجريمة النكراء لم تنل حقها من العرض على مختلف وسائل الإعلام، ولم يتم تناولها بالشكل المطلوب لكي تلقى صدى كبير في أوساط الرأي العام؛ علمًا أن الموجهات الإعلامية خفتت إلى درجة الانطفاء تجاه تلك القضية مقارنة ببعض القضايا التافهة الأخرى!. وفي السياق نفسه، قامت عصابة الكهنوتية السلالية قبل أسابيع معدودة بعمل مسيرة ميليشاوية استعراضية راجلة أمام بوابة "إم شيخ"، فضجت المواقع الإعلامية بمختلف أنواعها واستمر وهجها لأيام عدّة، وأفاد المحللين حينها بأن ذلك تهديدًا لـ "إم شيخ" وعدم احترام لحرمة الباحة والشوارع المقابلة لمنزلة، وفسرها العميقين بأنها ردة فعل نتيجة التقاء بعض مراكز النفوذ الزيدية في إحدى الأعراس بالخارج، حتى وصل البعض بالقول أن ذلك يمثل اعتداء على كافة الأعراف والأسلاف، واعتداء سافر على بيوت كل اليمنيين، وأنها ليست إهانة لحاشد فقط، بل إهانة لليمن كله!. ولا يمكن تفسير تلك المفارقة العجيبة بين أهمية الشوارع أمام بوابة "إم شيخ"، وهوان جثة المواطن والوطن، إلا أن ذلك المقتول المسحول ليس وراءه آلة إعلامية حزبية، وكذلك ناتجًا من أن الموجهات الإعلامية متصلة بـ "الموروث الزيدي"، التي تزداد حسيتها ويسطع ضوئها كلما اتجهت باتجاه "العصيمات" وما بعدها من مراكز النفوذ الزيدية، ويخفت وهجها كلما اتجهت باتجاه "وصاب" الحِميّرية وما يليها!.
ولو تفحص القارئ الكريم القيمة المضافة التي قدمها "المقتول المسحول" من أبناء وصاب الحِميّرية، للوطن والمواطن، مع ما قدمه "إم شيخ"، لرجحت كفة المواطن البسيط بمراحل على كفة "إم شيخ"!. سيجد بأن ذلك المواطن البسيط قد يكون من ذوي المؤهلات العلمية، وعاش مكافحًا وساهم من خلال عمله كـ يد عاملة في بناء الطرق والمدارس والبيوت، وعمل بائعًا في الأسواق، وشارك في الزراعة، وساهم في الرعي وإنتاج الثروة الحيوانية، وعمل في الورش بتعدد أشكالها، ولم ينهب أحد، ولم تمتد يده بهتانًا لـ خزينة الدولة، ولم يتجاوز القوانين، ولم يرتكب جناية بحق أحد!. بينما "إم شيخ" وكذلك مراكز النفوذ الزيدية، ستجد أن مساهمتهم اقتصرت على جعل أبناء مناطقهم "عكفة"، وفي بناء السجون خارج إطار الدولة، وتجاوزوا كافة القوانين، ونهبوا خزانة الأموال العامة وعملوا على افتتاح الشركات الخاصة، وأخذوا الجمهورية لاحمًا، وساهموا بإسقاطها طمعا، ورموها لكلاب الكهنوتية السلالية عظمًا وشحما!. إضافة لذلك، قد تجد أن ذلك المواطن البسيط لديه من العزة والكرامة والأنفة التي جعلته لا ينطق طيلة حياته بكلمة "السيد" ولو لمرة واحدة؛ بينما تجد أن "إم شيخ" قد رددها الآلاف المرات وصولًا لقولة بأنه "بوجه إم سيد، وتحت حماية إم سيد"!.
وعند التدقيق بتفاصيل مربعات صورة المجني عليه من أبناء وصاب وردود الأفعال، ستجد بأن جثة المواطن البسيط الذي تم قتله وسحله في أرضه من قبل العصابة السلالية الإجرامية لم تحرك وجدان البعض، ولم تشعل فيهم مشاعر الحمية، واضمحلت لديهم مفردات التعدي على كافة الأعراف والأسلاف، وغابت من أفواههم كلمات أن الاعتداء على دمه هو اعتداء على دماء كل اليمنيين، واختفى منطق الاستنكار من رؤوسهم بأن ذلك ليس إهانة لـ وصاب فحسب، بل إهانة لليمن كله!.
وبالمقابل، عند التمعن في تفاصيل مربعات صورة المسيرة الميليشياوية الراجلة من أمام منزل "إم شيخ"، فقد تم تجاهل كل مربعات الصورة الهامة، والتركيز على جزئية تافهة واحد متمثلة بجناية المرور من أمام منزل "إم شيخ" واستفزازه!. تناسى أولئك بقية مربعات الصورة المتمثلة بحجم تجهيل وتضليل الشباب السائر كالأعمى والملغوم بالأفكار المدجّنة، وتغافلوا بأن كل أولئك هم من أبناء القبائل اليمنية المُضللين، بل أن معظمهم من قبيلة "إم شيخ" والقبائل المجاورة!. وأيضًا، تجاهلوا تأثير ذلك الاستفزاز والتخويف على بقية منازل المواطنين، وتغاضوا عن ترهيب مَحَالّ التجارة المجاورة، ولم يتحدثوا عن قطع الطريق العامة والتهديد لكافة المارة!. كما تغافل أولئك عمدًا بأن الأسلحة التي على أكتاف الأطفال والشباب أُخذت من مخازن ومستودعات الدولة ومن مقدرات الشعب وسلُمت للسلالية بسهولة ويسر، وغضوا الطرف بأن الأطقم والسيارات العسكرية المُستخدمة في الاستعراض أُعطيت على طبق من ذهب لكهنة الآل، وأخفوا غيرها الكثير من تفاصيل بقية مربعات الصورة!.
ولا بد من الإشارة هنا بأن "الشيخ" في السياق اللغوي والاجتماعي الحالي، و"القَيْل" في السياق التاريخي والحضاري، صفة يوصف بها وجهاء القوم وكبارها وعقلائها من ذوي المكانة الرفيعة نتيجة لأفعالهم وعطائهم وإقدامهم وشجاعتهم، وأولئك هم من لا يقبلوا حياة الذل والهوان والتبعية والخضوع تحت مظلة دخلاء السلالية، ولا يرتضوا مطلقًا أن يحكم أرضهم وينهب ثرواتهم بقايا غرباء الكهنوتية، وهم من يدافعوا حتى الموت عن أرضهم وعرضهم ومصالح مواطنيهم ووطنهم؛ أي ببساطة أنهم من جابهوا دخلاء الكهنوتية السلالية من أول وهلة وعند إطلاق أول طلقة، وليس العكس من ذلك!. إضافة لذلك، "الأقيال والمشايخ" هم من يتسمون بالخصال السبئية الحِميّرية الحميدة، وبعيدين كل البعد عن الخصال السيئة السائدة لدى الكهنوتية السلالية وقفازاتها القذرة، ولا يمكن التلاعب بهم بواسطة الموروث الزيدي بشقيه!.
قبل الختام، يجب أن يدرك الجميع بأن إحدى الشعارات التي استخدمها "كهنة الآل" واستغلتها كشماعة قبل دخولهم للعاصمة السياسية، تمثلت بالحديث في أوساط المجتمع وبين أبناء القبائل اليمنية عن محاربة مراكز الفساد والنفوذ والتخلص منها؛ ومن المنطق أنه لا يمكن أن تحرر الأرض اليمنية بأيدي من ضاق الشعب منهم وتضجر من فسادهم، واستجاب وتعاطف مع المجرمين ضدهم، وبمن كانوا سببًا في سقوط الجمهورية الأولى!.
ختامًا، من يريدوا استعادة الجمهورية الثانية بواسطة الاعتماد على مراكز النفوذ الزيدية التي عاثت فسادًا في الجمهورية الأولى، وساهمت بإسقاط شبه الدولة بواسطة التماهي وتسليم مؤسسات ومعسكرات ومخازن ومقدرات الدولة للكهنوتية السلالية الزيدية، والنضال لقيام ثورة الجمهورية الثانية من أجل أعادة تدوير نفايات الجمهورية الأولى، لهو نوع من الجنون وانعدام البصيرة، بل الجنون بذاته!. لذا، لن تتحرر أرض سبأ وحِميّر من احتلال الكهنوتية السلالية ومساعدة أدواتها التاريخية القذرة، إلا بقوى وطنية جديدة (القومية اليمنية)، وعبر التخلص من الموروث الزيدي بشقيه!.