ان مقاطع الفيديوهات و المنشورات و المشاهد التي وثّقت مواكب مليشيا الحوثي الإرهابية في كربلاء لم تكن مجرد طقوس دينية عابرة، بل مثلت صرخة مدوّية تكشف حجم الارتهان والانغماس في المشروع الإيراني حتى النخاع. لقد قدّم الحوثيون، عبر تلك المظاهر، الدليل الساطع على انسلاخهم عن اليمن أرضاً وإنساناً وتاريخاً وهوية، وارتمائهم الكامل في أحضان أجندة دخيلة تسعى لاقتلاع اليمنيين من جذورهم العربية، واستبدالها بمرجعيات طائفية غريبة عن قيمهم وموروثهم الحضاري.
إنّ تلك المواكب ليست بريئة في معناها ولا في توقيتها، وإنما هي امتداد لمخطط خارجي مفضوح، يهدف إلى طمس الهوية الوطنية وتذويبها في سياق أيديولوجي وافد، بعيد كل البعد عن جوهر المجتمع اليمني الذي ظل عبر قرون طويلة نموذجاً للإسلام الوسطي المعتدل، وللتعايش القائم على الاعتدال والاعتزاز بالانتماء العربي.
الحوثيون ليسوا حركة يمنية أصيلة كما يحاولون الادعاء، بل مجرد أداة إيرانية تنفذ مشروعاً سياسياً وثقافياً غريباً عن عادات وتقاليد اليمنيين. مشروع يسعى لفرض طقوس دخيلة، تمسّ بجوهر العقيدة وتشوّه صورة التدين المتوازن الذي عرف به اليمنيون على مرّ العصور. هذه الممارسات لم يعرفها اليمن في تاريخه، ولم يتعايش معها وجدانه الشعبي، بل تُقابل بالرفض القاطع من مختلف شرائح المجتمع، إدراكاً لخطورتها على النسيج الاجتماعي والقيم الجامعة.
المسألة، إذن، ليست مذهبية كما يحاول الحوثيون الترويج، وإنما سياسية بامتياز، تنطلق من مخطط فارسي توسعي طويل المدى. هدفه ليس فقط السيطرة على القرار السياسي في اليمن، وإنما سلخه عن محيطه العربي وربطه قسراً بمشروع غريب لا يمتّ بصلة إلى هويته العربية والإسلامية الأصيلة. وهو مشروع يحمل في طياته مخاطر جسيمة على وحدة المجتمع وتماسكه، وعلى استقرار المنطقة بأسرها.
إنّ الوقوف في وجه هذا المشروع واجب وطني وقومي وأخلاقي، يتجاوز حدود السياسة إلى صون الكرامة والهوية والوجود. فاليمن ليس مجرد ساحة صراع إقليمي، بل وطن عريق ضارب في جذور التاريخ، لا يقبل الطمس ولا الانصهار في مشاريع غريبة. واليمنيون، بتاريخهم وإرثهم الحضاري، أقدر على إفشال هذه المخططات، والتمسك بعروبتهم وانتمائهم الأصيل، حفاظاً على حاضرهم ومستقبل أجيالهم.
اليوم، تتجلى الحقيقة بوضوح: مواجهة الحوثيين ليست مجرد معركة عسكرية، بل معركة وعي وهوية ومصير. وهي معركة ستظل الكلمة فيها لليمنيين الذين أثبتوا عبر التاريخ أنهم أمة عصية على الابتلاع، وأن اليمن، مهما تكالبت عليه المشاريع، سيبقى عربياً الهوى والهوية.