آخر تحديث :الأربعاء-13 أغسطس 2025-12:34ص

متلازمة العكفوية... بين إمامة البطنين وجمهورية البطن!

الثلاثاء - 12 أغسطس 2025 - الساعة 11:09 م

همدان الصبري
بقلم: همدان الصبري
- ارشيف الكاتب


ترتبط "متلازمة العكفوية" بمجموعة أعراض مرضية ذات صلة بالبطنين، ومن علاماتها تقدّيس كهنة الآل، والجثو على الأرض لتقبيل ركب أسيادهم في أطراف النهار وتحشيد أبناء القبائل اليمنية لهم في آناء الليل، واضطراب التسليم بـ "الولاية" عبر الخضوع لبقايا دخلاء وغرباء وشظايا الكهنوتية السلالية!. أما "العكفوية بالصبغة الجمهورية" فإنها ذات صلة بسُّرَّة البطن الواحدة -لا البطنين-، التي تحاول أن تحصر جنين الحكم الجمهوري في مشيمة داخل سُّرَّة فرد أو بطن أسرة أو فخذ قبيلة!.


ولا تقتصر "متلازمة العكفوية" على تلك العلامات والاضطرابات فقط، بل أنه قد تظهر أعراض جانبية مُصاحبة، متمثلة بقشعريرة مُزمنة للتغني بفترة حكم فرد والنواح المتواصل لعقود طويلة بعد وفاته؛ وكأن أرض سبأ وحِميّر أرض عاقر وخاوية من القادة العظماء، إلا من أولئك البسطاء التي صنعتهم مصادفة اللحظة التاريخية!.


وليس ذلك وحسب، بل أن "متلازمة العكفوية" قد تؤثر على منهجية المقارنة، وتقود إلى شلل التفكير وعمى الرؤية، بحيث تضع كل إخفاقاتها على كاهل من طالبوا بـ "التغيير" رغم أن التغيير سُنة كونية، وتستمر مع سبق الإصرار والترصد على مقارنة فترة "شبه الدولة" بفترة "اللادولة" المرتبطة بوجود عصابة الكهنوتية السلالية الإجرامية، وتشتاق بحنين إلى العودة لفترة "شبه الدولة" دون التفكير الجاد بالتوجه نحو إقامة "دولة كاملة" ذات سيادة، قائمة على المؤسسات والكفاءات، لا على البطنين أو البطن!.


وعلاوة على ذلك، فإن "متلازمة العكفوية" قد تصل إلى مراحل مرضية متقدمة حرجة، بواسطة رفع شعار "مالها إلا أهلها والزعامة لها رجالها" أي أن السلطة لا يستقيم حالها إلا إذا كانت بيد فرد معين وأسرة محددة سلفًا، على الرغم بأن من يتم الترويج لهم بـ "الأهلية والزعامة" لو تم تجريدهم من وسائل النفوذ (المال والسلاح والإعلام)، لوجدتهم كالأرض القاحلة الخاوية الجدباء، ولأدركت بأن وظيفة "بواب" كبيرة على مقاساتهم، لا استهزئًا بمهنة الحراسة، بل استحقارًا بقدرات وإمكانات أولئك، وفي أحسن الأحوال ستجدهم بنفس القدرات الذهنية والإمكانات الجسدية للمطبلين لهم!.


وتكثر "متلازمة العكفوية" في البيئة المتجذر فيها داء التقدّيس، وفي المحيط التواق للذل والخنوع والعبودية والمناهض للكرامة والحرية، وفي الوسط الذي ينتشر فيه عوامل وراثية متصلة بالموروث الزيدي؛ بحيث تعمل تلك البيئة جاهدتًا على صناعة المُقدّسات البشرية وعبادتها على مر التاريخ وبمختلف الأزمنة، وذلك بواسطة إقامة "إمامة كهنة الآل" لحكم أرضهم ونهب ثروتهم، أو تحويل الجمهورية إلى جمهورية وراثية محصورة بأسرة أو قبيلة!.


منطقيًا وبعيدًا عن الترهات والتطبيل والمزايدات، فإن الجمهورية ليست نظام توريث وليس محصور رئاسة كرسيها بـ فرد أو أسرة أو قبيلة!. كما أن الجمهورية ليست رئاسة مفتوحة لعقود، بل مقننة ومحددة بدورتين انتخابيتين تقع كل دورة منهما بمدة زمنية أقلها أربع سنوات وأقصاها سبع!. إضافة لذلك، فإن الجمهورية ليست عبارة عن عصابة متشابكة للاستحواذ على كرسي السلطة، بل حزب سياسي له مشاريعه التنافسية المُقنعة للناخبين، وبرامجه المجدولة زمنيًا!. وأيضًا، الحكم الجمهوري ليس له أي علاقة بالاتجاهات والمناطق الجغرافية، وليس بالضروري أن يكون حاكمها من منطقة جغرافية محددة، بل سلطة متنقلة بين المناطق الجغرافية والطبقات الاجتماعية!. وخلاصة مفهوم "الجمهورية" بأن الشعب مالك السلطة ومصدرها؛ ولكن أمام وسائل النفوذ المُرعبة، والتوجيه الإعلامي المهول لغسل دماغ الجماهير، فإن الشعب لن يمتلك سلطته على عقله وتفكيره ورؤيته، ولن يكون مصدرًا حتى لقرارات نفسه!. وأيضًا، الجمهورية ليست فقط النشيد الوطني، أو ختم نُحت عليه الطير الجمهوري، وليست جمهورية افتراضية من صالات الفنادق وباحات الولائم في الخارج، بل أنها مرتكزة على الأرض ومغروسة في الداخل!.


ما نشاهده من هالة إعلامية وترويج رخيص لبعض الأفراد في ظل واقعنا المأساوي، يصيبنا بالذهول والتأسي معًا، حتى رؤساء الدول العظمى التي سيطرت على الأرض وتحكمت في البحار وهيمنت على السماء ووصلت إلى الفضاء، لا نرى حولها كل تلك الهالات الإعلامية التي نراها اليوم أمام بعض العاهات والمُفرغين!. ثم أن رجالات الدولة والحكم الرشيد، تعرفهم بمن حولهم وبمن يدور في فلكهم، فأن كان حولهم أهل الكفاءة وأصحاب المروءة وبطانة الشجاعة والحنكة والحكمة، فهم من أهل الحكم والحل والعقد؛ وإن كان محيط بهم بعض المخاتلين من بقايا السلالية الكهنوتية وثلة المطبلين من الرخصاء، فهم من نفس تلك الطينة وليس لهم أي صلة بأهلية الحكم والسلطة!.


قبل الختام، هنالك "إمامة زيدية" وهنالك "جمهورية زيدية"، حيث نصت "الإمامة الزيدية" البغيضة على عدم التوريث من جهة؛ ولكنها حصرت الحكم في البطنين من جهة وورثتها لبقايا دخلاء الكهنوتية السلالية من جهة أخرى!. أما "الجمهورية الزيدية" فأنها تنص ورقيًا على التعددية السياسية وانسيابية انتقال السلطة بين أبناء الشعب؛ ولكنها تحاول فعليًا أن تحصر السلطة في "بطن" منطقة جغرافية ذات موروث زيدي، وتختزلها بـ أسرة محددة، وصولاً لتقييد السلطة وربطها بأفراد معينين!. وبالتالي، أي شخص تجده يتغنى بمفردة "الجمهورية"، وهو يدفع نحو توريث السلطة، ويُطبل لحصر الحكم بيد فردًا أو ببطن أسرة أو بفخذ قبيلة، فهو بعيد كل البعد عن مفهوم "الجمهورية"، ويعاني من الإصابة المزمنة بـ داء "الجمهورية الزيدية"!.


ختامًا، يكمن دور "القومية اليمنية" الأساسي في استعادة "الجمهورية الوطنية" التي تم وأد مشروعها ومصادرتها بالمصالحة الملكية الجمهورية، وليس في مساراتها استرجاع وإعادة تدوير نفايات "الجمهورية الأسرية"، ولن يقبل أحفاد سبأ وحِميّر بتاتًا لا بـ "الإمامية الزيدية" ولا بـ "الجمهورية الزيدية"، وجٌل عملها قائم على التخلص من كليهما، لا التطبيل لإحداهما!.