آخر تحديث :الأحد-10 أغسطس 2025-02:12ص

المتساقطون في طريق الوطن.. كيف؟ ولماذا؟!! الحلقة (5).. قطيع مندفع

الأحد - 10 أغسطس 2025 - الساعة 12:59 ص

د. ثابت الأحمدي
بقلم: د. ثابت الأحمدي
- ارشيف الكاتب


يمثل عامة الناس - وخاصة الشباب منهم - حطب الوقود الأكبر في صراعات الكيان الإمامي البغيض مع الشعب، ومشكلة المصلحين والمفكرين والفلاسفة عبر الزمن هم القطيع المنفعل والمندفع من العامة الذين يتم استغلالهم، وأغلبهم، إن لم يكن كلهم من الجهلة والمغرر بهم، يمتلكون فائضًا من النشاط والحيوية وفائضًا في البطالة والفقر، استغل هذه الحالة "الصّنمان المقدسان" في صنعاء وما حولها: "امسيد" –كحالة كهنوتية سياسية تدمر بنية الدولة و "امشيخ" كحالة فوضوية – تعمل في موازاة الدولة أحيانا، وجعلا منهم كتلاً متحركة، مجردين من أبسط الحقوق المدنية؛ بل الطبيعية.


شباب مكانهم الطبيعي الجامعات والمعسكرات والمصانع وأسواق العمل المختلفة في اليمن وخارج اليمن. شباب منتفشو الشعور، متسخو الثياب، تسربوا من التعليم في مراحله الأولى، والتحقوا بأسواق البطالة والتخريب، ولولا هذا القطيع لما استطاع هذا الكيان الصمود لوحده يوما واحدا.


هؤلاء الشباب "القطيع المندفع" كاللابة المتدفقة من البركان قد يحيلُ السهول القاحلة إلى مروج خضراء إذا ما تم التعامل معه بحكمة، بهندسة مجاريه وتصريف تفرعاته، وقد يحيلها بلقعا خرابا إذا أهمل بجرفه كل ما أمامه. هذا ما حصل تماما. تحولت طاقة الشباب من طاقة إبداعية خلاقة إلى طاقة سلبية جارفة. ولو كان لدينا سياسيون حكماء مستبصرين لحقائق التاريخ لاتبعوا استراتيجية الملياردير اليهودي "كوزيمو دي مديتشي" في فلورنسا ــ 27 سبتمبر 1389 - 1 أغسطس 1464م ــ حين عمل على تأهيل خصومه المسيحيين المتطرفين بالتعليم، وذلك للحد من تغول التطرف الكنسي الذي أفضى إلى خلق جيل متطرف ومشبع بالكراهية من المسيحيين، ضد اليهود والمسلمين في أوروبا كلها، فغيَّر بالتعليم والفن جيلَ عصره تمامًا، واستمرت أسرته كذلك إلى اليوم، ويكفي أن أستاذ الفن التشكيلي الأول في أوروبا "مايكل أنجلو" كان من مقربيه، وممن دَعَمهم وشجَّعهم وتبنى مشاريعهم الفنية والثقافية.


وللعلم فقد أسس "مديتشي" أولَ وأكبرَ مكتبةٍ مسيحيةٍ ثقافيةٍ في أوروبا، وجلب إليها المخطوطات من كافة أنحاء أوروبا، وحول طاقة الشباب المندفعة حينها من القتال إلى التعليم والثقافة والإبداع. وكما يُقال: ليس القائد العظيم من ينتصر في مئة معركة؛ بل القائد الذي لا يحتاج إلى معركة واحدة أصلاً حتى ينتصر، ومن الحكمةِ أن تُفشلَ قرارَ الحرب، لا أن تنتصرَ في الحرب.


هذه الجماعة "الحوثيون وأشياعهم" تمددت في الفراغ الذي كان يجب أن يملأه الساسة والعلماء والمفكرون.

كهوفُ مران نُحتت حين غابت المدارس والكليات ومعاهد الموسيقى والفنون.

البندقية حضرت حين غاب القلم.

عادت ثقافة الإمامة حين غابت ثقافة الجمهورية..


ظهر "السيد" بعد أن غاب المسؤول، وتدخلت إيران حين غابت صنعاء ودول الجوار.

لماذا العدوُّ القصيُّ اقترب؟

لأنَّ القريبَ الحبيبَ اغترب

لأنَّ الفراغَ اشتهى الامتلاء

بشيءٍ فجاء سوى المرتقب


ظهرت خرافة "الحق الإلهي" في الحكمِ حين غابت ثقافة الحقوق الطبيعيّة والحقوق المدنية والثقافة الإسلامية الصحيحة، وعادة ما يؤمن القطيعُ إيمانًا أعمى بالقضية التي لا يفهمها كما يرى إيرك هوفر في "المؤمن الصادق".


هؤلاء، وآخرون هم أبرزُ المتساقطين على طريقِ الوطن، وبتساقطهم سقط الوطن، وسقطت هيبة الشعب وكرامة الأمة، فمتى نستعيد "المسَار" الصحيح؟! ومتى نصحو من غفلتنا التي طالت كثيرًا حتى أفقنا على الكارثة التي نعيش تفاصيها اليومَ داخلَ الوطن وخارجه؟!

د. ثابت الأحمدي