ثريد
- أطالع يوميًا على منصات التواصل الاجتماعي سيلًا من التدوينات التي تهاجم رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، وتصفه بـ"المــدعـــو"، وتصرّ على إنكار الاعتراف به "رئيسًا"، هذا الخطاب، الذي يحاول أن يبدو ثوريًا، يثير في الواقع موجة من السخرية والأسئلة المنطقية؛ فإذا لم يكن العليمي رئيسًا معترفًا به، فلماذا إذًا الحديث عن "الشراكة" السياسية؟ بل إن مصطلح "الشراكة" ذاته يبدو في هذا السياق مثيرًا للشفقة أكثر من الجدل.
- لست في مقام لوم أحد أو توجيه النقد المباشر، لكن لا يمكن تجاهل المشكلة "العويصة" المتجذرة في خطاب ثوري عالق في زمنه، لم يتطوّر ولم يعِ متغيرات المرحلة، فهناك من لا يزال يردد ذات المفردات التي كانت تُطلق قبل عشرين عامًا، دون أن يدرك أن الواقع السياسي تغيّر، وأننا - على الأقل شكليًا - أمام دولة بمؤسسات قائمة (ولو كانت بلا قرار سيادي فعلي)، وهذا بحد ذاته اختلاف جوهري عن مرحلة الصراع الثوري أو التحريضي.
- مؤلم جدًا أن نرى خطابات ترفع شعارات لا تغني ولا تسمن من جوع، بينما الناس في الجنوب المحرر يعانون ويلات الواقع المعيشي والإنساني المنهار.
- آن لهذا الخطاب أن يُراجع نفسه، لا سيما حين يتحول إلى شعارات مستهلكة لا تحمل أي معنى حقيقي سوى الهروب من مواجهة الواقع.
- خذوا مثلًا مشاريع الأستاذ لطفي شطارة الذي اقترح سابقًا "تأجير عدن" لمجموعة هائل سعيد أنعم، متجاهلًا أن المجموعة تستحوذ فعليًا ثلاثة أرباع المدينة، بما في ذلك ميناء خاص بها! واليوم نراه يطرح أفكارًا لمعاقبة المعلمين على الإضراب بدلًا من معالجة جذور أزمة التعليم، وعلى رأسها تدني الرواتب.
- إذا لم تُحل مشكلة المعلمين حتى اللحظة، فمن المسؤول؟ ومن المستفيد من بقاء التعليم الحكومي في حالة شلل دائم؟ لا نحتاج إلى نظريات بقدر ما نحتاج إلى حلول عملية، حلول بسيطة، كأن تُخصص نسبة من موارد الضرائب والجمارك (التي تُهدر على شكل رشى وعمولات) لتمويل رواتب المعلمين، هذه أزمة لا تحتمل انصاف الحلول، بل تحتاج معالجات ممكن، واشتغلوا على إصلاح جذري في منظومة التعليم برمتها.
- "لنكن واضحين رشاد العليمي هو الحاكم الفعلي للبلاد، وهو من يمتلك سلطة القرار التنفيذي بلا منازع. لذا، قبل الانزلاق إلى توصيفه بـ"المدعو"، علينا أولًا أن نُجري تحليلًا عقلانيًا لأسباب الانهيار الاقتصادي.
- من أبرز هذه الأسباب، تراجع البنك المركزي — تحت ضغوط سعودية واضحة — عن اتخاذ قرارات جوهرية كانت كفيلة بلجم انهيار العملة وتثبيت الوضع المالي. وهنا لا يمكن الاكتفاء بلوم أطراف صامتة، مهما بدا صمتها مخزيًا؛ فالمسؤولية الأولى تقع على من بيده القرار، أي العليمي نفسه.
- بل إن ما يثير القلق، أن الموارد المحدودة التي لا تكفي لتأمين أبسط الاحتياجات الخدمية، تُسخَّر اليوم لتمويل آلة إعلامية ضخمة، غرضها الوحيد تلميع صورة "فخامته"، بدلًا من مواجهته.
- فـ"فخامته"، لم يجرؤ حتى الآن على مخاطبة السعوديين بشأن إعادة استئناف تصدير النفط، رغم أن اليمن تمثل الساحة الأكثر اشتعالًا في صراع إقليمي طويل بين الرياض وطهران.
- المفارقة أن اتفاقًا وُصف بـ"التاريخي" وُقّع بين الطرفين في بكين، أعاد الدفء إلى العلاقات بين الخصمين التقليديين، لكن، إذا كان الاتفاق قد نَصَب طاولة مصالحة بين إيران والسعودية، فلماذا لم يحظَ الجنوب - وهو مركز التوتر بين الطرفين - بأي مكاسب تُذكر؟ لماذا لم تُعَد صياغة ملف المدن المحررة كأحد مخرجات التفاهم الإقليمي؟، خاصة فيما يتعلق بـ"إعادة تصدير النفط".
- أسئلة مؤلمة، من المفترض أن تُطرح لا في كواليس السياسة، بل على طاولة "(المدعو) رشاد العليمي"، الذي يُفترض أنه رئيس مجلس القيادة الرئاسي، لكنه في الحقيقة عاجز حتى عن المطالبة بحق اليمنيين في مواردهم."
- رغم كل الادعاءات أن الحوثيين يمتلكون سلطة أمر واقع، فإن مناطقهم في الحقيقة تعتمد اعتمادًا كلياً على ما يصله من ميناء عدن، ومن تموين البنك المركزي، لا دولة هناك، ولا مقومات حقيقية للبقاء، فقط دعاية وأوهام، كأوهام أولئك الذين يرفضون الاعتراف بأن "العليمي" هو رئيس مفروض من قبل السعوديين سواء قبلوا بذلك أم لا.
- فلنقلها كما هي لا توجد شراكة حقيقية، لا في القرار ولا في التأثير، فقط واجهة اسمية هزيلة، ومع ذلك، نقول بوضوح قدّموا الخطاب الذي تشاؤون، لكن لا تصادروا صوت هذا الوطن، لا نحتاج إلى وهم جديد باسم الجنوب، ولا إلى شعارات ثورية تعيش في زمن غير زمنها، نحن لا نزال على قيد الحياة، ونرفض أن يُمسّ هذا الوطن بأوهامكم.
وشكرًا.
#صالح_أبوعوذل