آخر تحديث :الأحد-15 يونيو 2025-10:02ص

لا رغبة في إسقاط النظام بل في ترويضه وإنقاذ الإمبراطورية الإيرانية

الأحد - 15 يونيو 2025 - الساعة 12:53 ص

نزار الخالد
بقلم: نزار الخالد
- ارشيف الكاتب


في تطور لافت، خرجت واشنطن عن تقاليدها المعتادة في الحديث الرمزي والموارب، لتبعث برسائل مباشرة وصريحة إلى طهران، تحذر فيها من أن الوقت ينفد، وأن إيران مطالبة بالتوصل إلى اتفاق سريع، قبل أن "يذهب كل شيء"، في إشارة واضحة إلى اقتراب لحظة الحقيقة، وربما نقطة اللاعودة.

اللافت في اللغة الأمريكية الأخيرة أنها كانت مفعمة بالتحذير، لكنها لم تكن عدائية بالكامل، بل بدت وكأنها تعرض "حبل نجاة" للنظام الإيراني، في محاولة لترويضه لا إسقاطه، وتطويعه لا تفكيكه، عبر صفقة تُنقذ ما تبقى من إرث ما يُعرف بـ"الإمبراطورية الإيرانية"، سواء على المستوى الإقليمي أو الداخلي.

ان اللغة الامريكية غير معتادة في تصريحات لمسؤولين أمريكيين مؤخراً منهم ترامب، بدا واضحاً أن واشنطن لم تعد تكتفي برسائل الغرف المغلقة أو التصريحات المزدوجة. بل اختارت أن تتحدث بلسان صريح: إيران أمام لحظة حاسمة، فإما العودة إلى طاولة المفاوضات بشروط واقعية الاحد القادم، أو خسارة كل شيء — من النفوذ إلى الأمن الداخلي، مروراً بالاستقرار الاقتصادي.

هذه اللهجة غير المعتادة من الأمريكيين تعكس تغيراً في تقييمهم لطبيعة النظام الإيراني، لكنها في الوقت ذاته تُظهر أنهم لا يسعون فعلياً إلى تغييره، بل إلى تطويعه، ليقبل بشروط "تعايش طويل الأمد"، يضمن أمن إسرائيل، واستقرار أسواق الطاقة، وتقليص قدرة طهران على تهديد الحلفاء الغربيين في المنطقة.

والمؤكد ان أمريكا لا تريد إسقاط النظام فالتجربة الأمريكية في العراق وأفغانستان لا تزال حاضرة في أذهان صناع القرار في واشنطن. ومن هذا المنطلق، فإن الولايات المتحدة تدرك أن إسقاط النظام الإيراني قد يفتح أبواب الجحيم في منطقة شديدة الحساسية. لذلك فإن الرسائل الحالية موجهة لإقناع طهران بأن الاتفاق – حتى لو بدا تنازلاً – هو أقل الشرور، وأن رفضه قد يؤدي إلى انهيار تدريجي لا يمكن السيطرة عليه.

الرسالة الأساسية: أمريكا لا تسعى إلى زوال "الجمهورية الإسلامية"، لكنها تريدها تحت السيطرة، ومنضبطة وفق حسابات الاستراتيجية الأمريكية. نظام متكيّف، لا متمرد، يُبقي على وجه الثورة داخلياً، لكنه يضعف أظفاره خارجياً.

عندما استخدم مسؤولون أمريكيون مصطلحات مثل "ضياع كل شيء" أو "آخر فرصة"، فإنهم بذلك يخاطبون غرور النخب الإيرانية التي ترى نفسها امتداداً لإرث الإمبراطوريات الفارسية. واشنطن تخاطب الطموح القومي الإيراني بلغة الإنذار: إذا لم تُراجعوا سياساتكم، فلن يبقى شيء من الحلم الإمبراطوري، لا في بغداد، ولا دمشق، ولا بيروت، ولا حتى في الداخل الإيراني المشتعل بالتذمر الاقتصادي والسياسي.

ومن الواضح أن السياسة الأمريكية تجاه إيران لا تتجه نحو خيار الحسم العسكري أو إسقاط النظام، بل نحو سياسة "الاحتواء النشط"، حيث تظل طهران محاصرة ولكن غير منهارة، مقيّدة ولكن موجودة. رسالة واشنطن اليوم واضحة: الباب ما زال مفتوحاً للاتفاق، لكن لن يُفتح طويلاً. المطلوب من إيران أن تختار بين أن تكون جزءاً من النظام العالمي — ولو بشروط مُرهقة — أو أن تواجه مصير "الإمبراطوريات الغابرة" التي أكلها الغرور وضاعت في غبار التاريخ.