في واحدة من أعنف العمليات العسكرية التي شهدتها المنطقة منذ سنوات، شنت قوات الكيان الصهيوني اليوم سلسلة غارات جوية مركزة على أهداف إيرانية، مستهدفة عشرات المواقع الحيوية داخل العمق الايراني، من بينها منشآت نووية ومقرات عسكرية، أسفرت عن مقتل عدد من كبار القادة في الحرس الثوري الإيراني، بالإضافة إلى علماء نوويين وشخصيات محسوبة على النخبة السياسية الحاكمة. هذه الصفعة الموجعة ليست مجرد عمل عسكري عابر، بل رسالة واضحة مفادها أن زمن استعراض القوة قد انتهى، وأن من يشعل النار في بيت جيرانه، لا بد أن تطاله ألسنة اللهب.
إيران التي طالما تغنت بخطاب محور المقاومة، وادّعت الدفاع عن القضية الفلسطينية، تجد نفسها اليوم عارية أمام العالم، عاجزة عن الرد، مكتفية بإعلان الحداد وقراءة القرآن على شاشاتها الرسمية، ورفع راية الانتقام الحمراء على قبة مسجد جمكران في قم. بينما كانت غزة تباد تحت نيران الاحتلال، وقوافل الشهداء تسير في جنين ونابلس والخليل، كانت طهران تكتفي بالتصريحات النارية والتهديدات التي لا تنفذ، بل وتدفع بفصائل المقاومة إلى محرقة الاحتلال الصهيوني، دون أن تطلق رصاصة واحدة من أراضيها تجاه العدو الذي لطالما هددت بإزالته من الوجود.
لقد كشفت الضربة الصهيونية الأخيرة عن حجم الوهم الذي تعيشه القيادات الإيرانية، وعن زيف تلك الترسانة التي طالما تباهت بها في احتفالاتها العسكرية. فأين هي صواريخهم؟ أين دفاعاتهم؟ أين الرد المزلزل؟ لقد قتل قادتهم وعلماؤهم، وقُصفت منشآتهم الحساسة، ولم يردو إلا ببيانات الشجب وطلب الإستغاثة بمجلس الأمن.
منذ أن أصبحت إيران لاعباً محورياً في المنطقة. سخرت قوتها لتفكيك وتدمير الدول العربية، وقتل شعوبها، ودعمت ميليشيات مسلحة في لبنان وسوريا واليمن والعراق، وساهمت بشكل مباشر في نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار. هذه القوة التي بنيت لخدمة مشروعها التوسعي المذهبي، لم تستخدم يوماً ضد الاحتلال الإسرائيلي، العدو الحقيقي، رغم أن العدو الصهيوني لم يتوقف يوماً عن استهداف القيادات والمنشآت الإيرانية.
وها هي الضربة الأخيرة اليوم تأتي كعقاب على تلك السياسات الإجرامية والتوسعية، وكجزاء لاستخدام إيران أذرعها في تدمير أوطان لا ذنب لها سوى وقوعها في مرمى مشروع طهران الإمبراطوري. فالنار، كما يقال، لا تحرق إلا رجل واطيها، وقد آن لإيران أن تذوق من الكأس التي طالما سقتها لغيرها.
لقد سقط القناع، وتبددت الهالة، وانكشف العجز، ولم يبق أمام النظام الإيراني سوى رفع الشعارات وقراءة الفاتحة على أرواح قاداتها، أما من ينتظر الرد الإيراني، فقد يطول انتظاره، لأن ما بني على وهم، لا يمكن أن يصمد أمام الحقيقة.