مأساة هذا الوطن أن من أراد له العلا والنماء والشموخ والإباء، أراد له المتقزمون الموت، حينها وئد الوطن وضاع بين براثن الخونة وأنياب العملاء ومخالب الناهشين.
هذا تمامًا ما حدث حينما اُغتيل وطننا ممثلًا في جسد الزعيم، صانع الوحدة وباني اليمن الشهيد علي عبدالله صالح.. لذا نطلقها بكل وجع وحسرة وألم "أننا بعدك لسنا بخير"؛ كل شيء تهاوى بعدك وكل شيء تناثر إلى فتات وغدا الوطن ظلمات ترثي بعضها بعضا..فارقد بسلام يا سيدي القائد يا بشير الخير، فاليمن بعدك ليس بخير.
في مثل هذا اليوم الحالك، لم يُغتل رجلٌ فقط، بل سُفك الدم الذي كان يجري في شرايين الدولة، وسقط الجدار الأخير الذي كان يحمي الوطن من الانهيار الكامل.
لقد أدرك المتآمرون أن بقاءك حيًّا يعني فشل مشروعهم التدميري، وأنك – وحدك – كنت تمثل آخر رمق للدولة، وآخر جدار للسيادة، وآخر صوت للعقل في زمن الجنون والفوضى.
لم يكن محاولتهم لاغتيالك استهدافًا لشخص، بل كان استئصالًا لمشروع وطني متكامل. لقد أرادوا أن يذبحوا الوطن فاختاروا أن يطعنوه فيك ،كانوا يعلمون أنك كنت أكثر من مجرد رئيس، كنت الرمز، والضامن، والموحِّد، والبوصلة حينما ضاعت الاتجاهات، كنت وطنًا حين يلد الوطن وطنا.
قلت يومًا للشعب اليمني عندما حاولوا اغتيالك: "أنا بخير ما دمتم بخير".. فهل نحن بخير اليوم؟!.
لا يا زعيم، لسنا بخير، ولسنا حتى في الطريق إلى ذلك.
نحن وطن تمزقت أوصاله، وشعبٌ طحنته الحرب، وجيشٌ تبعثر، وعلمٌ بات مغبرًا في مهب الولاءات المأجورة.
بعدك، سقط كل شيء:
الدولة تفككت،
القانون غاب،
السيادة جُرحت،
والأمل اختنق في صدور الناس.
لكن اطمئن يازعيم، لن ننساك...
سنعمل بوصيتك التي كتبت حروفها بدمك الزكي الطاهر، تلك الوصية التي قلت فيها إن عِز اليمن وقوته في وحدة أبنائه، وأن التشرذم هلاك، والطائفية سم، والتنازع خيانة للوطن.
رغم كل ما يقوله الحاقدون، سنظل نذكرك كما كنت: قائدًا فذًّا، صاحب إنجازات عظيمة، وتاريخ ناصع، ورجل دولة كان همه الوطن لا الحكم، كان يجمع لا يفرق، يتجاوز لا ينتقم، رجل بحكمة الجبال، ومرونة النهر، وشعبية لا يشتريها مال ولا يبددها إعلام.
ولأن الدم لايُنسى،ستظل جريمة دار الرئاسة، وكل الجرائم التي حلت بالوطن، غير قابلة للسقوط بالتقادم.
سيأتي يوم تُفتح فيه الملفات، وتُكشف الحقائق، ويُحاسب كل من امتدت يده للغدر، أو شارك في المؤامرة بصمت أو خيانة.
العدالة ستأخذ مجراها،ولو بعد حين.
ارقد بسلام يا زعيم…
لقد قتلك الجبناء لأنك كنت المعنى الحقيقي للدولة، ولأنك قلت "لا" في زمنٍ كل من حولك صفق وطأطأ كرامته وقال "نعم".
لكنهم فشلوا في قتلك في قلوبنا، وفي تاريخ اليمن، وفي ضمائر الناس.
رحلت جسدًا، لكنك بقيت معنى، وصوتك ما زال يهمس في آذان الشرفاء: الوطن أولًا… الوطن دائمًا.
سلام عليك يوم جئت من أعماق الريف لتقود شعبًا معقدًا وتاريخًا مثقلًا.. وسلام عليك يوم واجهت الرصاص واقفًا، ورفضت أن تغادر بلدك،
وسلام عليك يوم قلتها في وجههم: "لن أترك الوطن، سنموت على ترابه."
سلام عليك أيها الزعيم النبيل الشامخ في زمن الكرامات المهدورة والولاءات الزائفة والضمائر الميتة.
أما نحن، فوالله، لسنا بخير، لكننا باقون على عهدك، متمسكون بوصيتك، ماضون في دربك.
وسلام عليك يوم حكمت وطنًا معقّدًا بحكمة وشجاعة،
وسلام عليك يوم صرخت في وجه الموت: "لن أهرب، سأموت كما عشت".
سلام عليك يا زعيم اليمن..
أما نحن، فوالله لسنا بخير.