في لحظة من الزمن، كنا نحمل مشعل النور في هذا الوطن. كانت تعز مدينة الثقافة والعقل، منبع الفكر، ومنبر الوطنية، وملاذ المثقفين والحكماء والشرفاء.
واليوم، كأن شيئاً عميقاً انكسر فينا. غاب العقلاء، وتوارى المخلصون، وتقدم الفاسدون والمخربون، وتصدر المشهد أصحاب المصالح الضيقة والحسابات الأنانية، والوجوه التى لا ترى في المدينة والوطن سوى غنيمة.
فما الذي حدث؟ كيف سمحنا لأنفسنا أن نعين الفاسدين على حكم مدينتنا؟ وما الذي جعلنا نصطف مع من ينهبنا ويخذلنا، ونتعصب ضد من يساندنا، ونسيء إلى من يدعمنا ويقف معنا؟. لقد اختلت البوصلة، وانحرفت الوجهة، وتبددت الأهداف، وتراجعت المبادئ، وتشوهت القيم، حتى صار الصواب خطأ، والخطأ صواباً في نظر كثير من المثقفين، والأكاديميين، والإعلاميين، والحزبيين من ابناء مدينتنا.
فلماذا يصر الكثير من الحزبيين والاعلاميين إذكاء نار المكايدات والمماحكات السياسية، وتأجيج العداء داخل مكونات الشرعية؟ لماذا تُوجَّه الماكنة الإعلامية صوب القوى الجمهورية الوطنية، بدلاً من أن تُصوّب نحو العدو الحقيقي، المليشيات الحوثية، التي تعبث بالجمهورية والوطن والكرامة وتهدد وجودنا وهويتنا الوطنية؟.
لماذا نستخف بدعوات التصالح والتسامح وتوحيد الصف الجمهوري في مواجهة المليشيا الحوثية؟ لماذا نستهزئ بكل مبادرة تقودنا نحو التكاتف والتكامل؟ لماذا لا نضع أيدينا في أيدي رفاقنا الجمهوريين، ونقدم الشكر لكل من يساندنا او يقدم خدمة لمدينتنا، لمن يعبد لنا الطريق، أو يوصل لنا الماء، أو يدعم التعليم والصحة أو يساند الفقراء والايتام والمرضى والمحتاجين؟ لماذا نستهزئ بكل يد تمتد إلينا بإخلاص؟
ما يفعله الكثير من أبناء مدينة تعز اليوم لا يصب في مصلحة تعز، ولا يخدم قضيتنا الوطنية، ولا يعزز معركتنا الجمهورية. بل يخدم مشاريع الفساد، وتجار الحروب، والعابثين بالأمن والاسقرار، ويمنح الحوثيين خدمة مجانية، دون أن يطلقوا رصاصة واحدة. نحن نخسر معركتنا بأيدينا، نخسرها حين نصمت، حين نتعصب، حين نخذل الشرفاء، ونغلق أذاننا عن صوت العقل والضمير.
ولهذا نقول لاخوننا من أبناء مدينة تعز، عودوا إلى ضمائركم، أفيقوا من هذا الانحدار، دعونا نستعيد أخلاقنا، ومبادئنا، ووحدتنا. مدينتنا تحتاج إلى عقلائها، إلى صوت الحكمة، إلى الوعي، إلى من يعيد رسم الطريق نحو الجمهورية الحقيقية. تعز لا تستحق هذا الخراب، ولا هذا التمزق والشتات.
الوقت لم يفت بعد، لكن إن استمر الصمت، فالغد سيكون أكثر مرارة.