في غربتي، حيث الغريب يفتقد حتى لصوت الوطن في الأذان، اعتدت النوم مبكرًا، أهرب من الحنين والأفكار التي لا تنام. لكن هذا المساء كان مختلفًا. الذكرى الخامسة والثلاثون للوحدة نادت في داخلي شيئًا قديمًا، شيئًا ما يزال حيًا رغم الغياب والمسافة.
جلست أراقب ما يدور، أحاول أن أرى بعين المواطن العادي، لا المغترب. أراقب الاحتفالات، التصريحات، الأغاني الوطنية، وأسترجع في قلبي مشاهد قديمة: الوحدة، ثم التمزق، ثم الثورة، فالحرب، فالخذلان.
أنا أفتخر بيوم الوحدة، لأنه لحظة أمل نادرة في تاريخنا المعاصر. لكنني لا أستطيع أن أتجاهل صوت المعارضين، ولا أن أُخمد في داخلي سؤالًا ملحًا:
هل استفدنا فعلاً من ثورة 2011؟
منذ 2011 وحتى اليوم، خاض الوطن مخاضًا عسيرًا. قامت الثورة تنادي بالحرية، بالعدالة، بالكرامة. وكانت القلوب مملوءة بالأمل. لكن ما الذي حدث بعد ذلك؟
هل شعر المواطن في الشمال أو الجنوب، في الريف أو في المدينة، أن حياته قد تغيرت للأفضل؟
هل تغير حال الفقراء، المرضى، العاطلين، المهجرين؟
هل رأت الأجيال الجديدة وطنًا يستحق التضحيات التي قدمها الآباء؟
ثم جاءت أحداث 2014، ثم سنوات من التناحر، والانقسام، والانهيار. لا الوحدة اكتملت، ولا الانفصال نجح، ولا الثورة حققت أهدافها.
اليوم، ونحن نحتفل أو نعارض أو نتأمل، لا بد أن نسأل أنفسنا بصدق:
ماذا نريد؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟
الوطن لا يُبنى بالشعارات ولا بالولاءات الضيقة. الوطن يُبنى حين يشعر المواطن أن حياته لها قيمة، أن صوته مسموع، أن كرامته مصانة.
أنا لا أكتب لأدين أحدًا، بل لأفتح بابًا للتفكر.
ربما الوحدة لم تكن كاملة، وربما الثورة لم تُثمر بعد، لكننا لا نزال نملك شيئًا ثمينًا:
الذاكرة، والوعي، والإرادة.
من الغربة، أكتب إليكم، لا حنينًا فقط، بل أملًا بأن نُعيد صياغة الحلم، لا أن نكرره كما هو.
أكتب لأن قلبي معلق بوطن يستحق أن نحيا فيه بكرامة، لا أن نحلم به من بعيد
مدين ياسين مواطن في آخر رمق