في مشهد سياسي حافل بالدلالات العميقة، ويبعث برسائل واضحة إلى دول عربية غارقة في الحروب والصراعات، تابعنا مؤخرًا احتفاءً لافتًا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالرئيس السوري أحمد الشرع في العاصمة الرياض، بعدما قدم نفسه كواجهة سياسية جديدة ولافتة في الملف السوري.
الاحتفاء لم يقتصر على التصريحات، بل شمل إشارات دعم واضحة، وصفقات اقتصادية، وتغطية إعلامية واسعة، من المنتظر أن تنعكس قريبًا بنتائج ملموسة على الشعب السوري، الذي ظل سنوات يعاني من ضياع الدولة بعد أن أحكمت إيران قبضتها على القرار السياسي في دمشق، وحوّلتها إلى عاصمة ضمن محاور الحرس الثوري المزعزع لأمن المنطقة واستقرارها.
وفي المقابل، لم نجد من الإدارة الأمريكية ولا من القيادات الاقليمية سوى تجاهل صارخ ومقصود تجاه مجلس القيادة الرئاسي اليمني، وكأن اليمن – هذا البلد الجريح – لا يستحق حتى مجاملة دبلوماسية، على الرغم من التضحيات الجسيمة والدمار الشامل والمعاناة التي أفرزتها حرب تجاوزت عقدًا من الزمن و المشكلة ليست بالتاكيد في البلد ولكن في الثمانية الحاكمين للبلد.
الفرق هنا لا يكمن في الجغرافيا ولا في الأهمية السياسية، بل في الكرامة والقرار السيادي. فأحمد الشرع، رغم كل ما يُقال عنه، استطاع أن يفرض نفسه بنديّة في ملفات إقليمية شائكة، بينما ظل أعضاء مجلس القيادة الرئاسي مجرد موظفين إداريين بدرجة "رئيس دولة واعضاء"، لا يملكون من أمرهم شيئًا، ولا يحملون رؤية وطنية موحدة، ولا خطابًا سياديًا يليق بالشعب اليمني.
التجاهل الأمريكي والاقليمي لليمن، اليوم لا يمكن فصله عن الأداء الباهت والمُهين لمجلس القيادة والحكومة اليمنية، اللذين فضّلا الإقامة في فنادق الرياض على العودة إلى الداخل، وارتضيا التبعية المطلقة دون قيد أو شرط.
لم نرَ من هذا المجلس سوى خضوعٍ للممول، واستعداد لتنفيذ التعليمات، حتى وإن كانت ضد مصلحة الوطن والشعب. وحينما تخلّى المجلس عن السيادة، كان التخلي عنه مسألة وقت فقط. فهذه قاعدة راسخة في السياسة: لا أحد يراهن على من لا يحترم نفسه، ولا أحد يدعم من لا يدافع عن كرامة وطنه.
في الوقت الذي يحقق فيه أحمد الشرع اختراقات سياسية واضحة في المشهد السوري، يواصل مجلس القيادة الرئاسي إهدار الفرص و الوقت في خلافات داخلية، وسفرات بروتوكولية، وبيانات باهتة، ومطالبات لا تنقطع بالدعم، الذي غالبًا ما ينتهي في جيوب الفاسدين.
الفرق الجوهري أن الشرع – مهما كانت خلفيته – تصرّف كفاعل سياسي يسعى لانتزاع مكان على الطاولة، بينما تصرّف مجلس القيادة الرئاسي كموظفين ينتظرون التعليمات، ولسان حالهم يردد: "حاضر سيدي... تحت أمرك سيدي".
اليمن لا يحتاج إلى موظفين، بل إلى رجال دولة. يحتاج إلى قيادة لها مشروع وطني و تضع المصلحة الوطنية فوق الحسابات الصغيرة، وتدافع عن سيادة الوطن أمام الجميع، لا قيادة ترتجف من مجرد مكالمة هاتفية من هنا او هناك.
باختصار، من يُهِن كرامته، فلا يلومنّ إلا نفسه إذا تجاهله الآخرون.
اليمن بلد التاريخ والمجد، ولا يجوز أن يبقى رهينة في يد من لا يستحق شرف تمثيله.