آخر تحديث :السبت-18 مايو 2024-08:11م

استعدوا لبداية التاريخ

الأربعاء - 08 أبريل 2020 - الساعة 03:26 ص

هيثم الزبيدي
بقلم: هيثم الزبيدي
- ارشيف الكاتب


تتردد مقولة “نهاية التاريخ” بين حين وآخر. خلال سنوات وعيي السياسي، قرأت عنها أكثر من مرة وسمعت من يتحدث فيها أو يجادل بالضد عنها.

بين منتصف السبعينات ومطلع الثمانينات، جادل الشيوعيون بأن نهاية التاريخ على الأبواب، مع هزيمة الولايات المتحدة في شرق آسيا وانتصار الشيوعيين في فيتنام. كانت الشيوعية في انتشار في أكثر من قارة مدعومة بقوة عظمى هي الاتحاد السوفياتي، وقوة كبرى هي الصين. لم ينته التاريخ بالطبع ونعرف بقية حكاية الشيوعية.

منتشيا بانتصار الغرب في الحرب الباردة، وصعود الولايات المتحدة كقوة وحيدة خصوصا بعد هزيمة العراق في حرب الخليج الثانية عام 1991، تجرأ المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما على كتابة مقاله ثم كتابه عن نهاية التاريخ. قال إن القيم الليبرالية التي وصل الغرب إليها والمؤسسة للعولمة الاقتصادية والفكرية، هي نهاية التاريخ. العالم كان على موعد مع الديمقراطية الليبرالية القادمة إلى كل ركن وإلى العولمة التي لن تترك شيئا إلا وتجعله نسخة من الغرب.

من داخل المنظومة الفكرية للغرب، رد المفكر صموئيل هنتنغتون بفكرة الضد لنهاية التاريخ وقال إن العالم للتو أغلق فصلا أيديولوجيا مع الشيوعية ليفتح فصلا جديدا أطلق عليه “صدام الحضارات” أساسه الاختلاف في المعتقدات وصعود الإسلام السياسي والقبلية ومبشرا بدوره بالشعبوية.

بعد سنوات ندم فوكوياما على استعجاله نهاية التاريخ، وبدأ بالحديث عن عناصر دخلت بقوة لتفتح صفحات التاريخ من جديد. في البداية تجنب الحديث عن “صدام الحضارات” وتحدث عن ثورتين. الأولى، التطور في العلوم الهندسية التي قادت إلى ثورات الاتصال والنقل. والثانية، التطور في علوم التكنولوجيا الحياتية. صار بوسعك أن تغير مزاج أمة كاملة بتعميم استخدام علاج ضد الكآبة مثل دواء بروزاك. ثم أضاف أفكارا مثل التفكك الاجتماعي والجهويات وعودة الحس القومي والبيئة للجدل بأنه كان على خطأ. لو كان يعرف ما ستؤول إليه الأمور في العراق أو سوريا أو ليبيا مثلا، ما كان ليتحدث عن نهاية التاريخ بالأصل.

نهاية التاريخ فكرة فلسفية لا علاقة لها بغيبية “نهاية العالم” التي تتحدث عنها الأديان منذ قرون، وتروج هذه الأيام بشكل كبير بحجة الوباء. لكن، مثلما فتحت التغيرات المفصلية في مسار التاريخ صفحات جديدة في كتابه، لا يمكن إنكار أن كورونا ستترك علامة واضحة على تاريخ البشرية الحديث. لن تعود الأمور كما كانت من قبل. وأمام نقطة التحول الكبرى هذه سنجد الكثير من التغييرات والهزات. لعل من المنطقي أن نتهيأ لها، بالابتكار والتواضع والفهم وقبول عالم لم نعتد عليه من قبل. اربطوا أحزمة المقاعد للانطلاق واستعدوا لبداية التاريخ.