آخر تحديث :الإثنين-15 ديسمبر 2025-01:14ص
اخبار وتقارير

تعز تحترق بصمت.. كهرباء متهالكة تحوّل الشوارع إلى مصائد موت في ظل فوضى وإهمال رسمي

تعز تحترق بصمت.. كهرباء متهالكة تحوّل الشوارع إلى مصائد موت في ظل فوضى وإهمال رسمي
الأحد - 14 ديسمبر 2025 - 09:55 م بتوقيت عدن
- تعز - نافذة اليمن - محرم الحاج

أصبحت البنية التحتية للكهرباء في مدينة تعز متهالكة ومهددة بالانهيار في أي لحظة، في ظل تعرض العديد من أسلاك الشبكة والمحولات للسرقة، وترك أعمال الصيانة والإصلاح على عاتق مستثمرين في قطاع الكهرباء، وسط غياب واضح لدور الجهات الرسمية.

وشهدت المدينة، اليوم الأحد، سقوط عمود كهرباء ضغط عالٍ من نوع «كامبة» في حالة تهالك شديد، على قارعة الطريق المارّة بجوار مدرسة عقبة بن نافع في منطقة الجحملية العليا، دون تسجيل أي إصابات بشرية، في حادثة كادت تتحول إلى كارثة.

ولا يكاد يمر حي في تعز دون تكرار هذا المشهد، حيث تحوّل تدلي أسلاك الكهرباء التجارية المكشوفة إلى رعب يومي يهدد حياة السكان، ويدفعون ثمنه من أرواحهم وممتلكاتهم.

يقول المواطن رائد عبدالحكيم الشرعبي (37 عامًا): “صرنا نخاف على أطفالنا من الخروج أوقات الأمطار والاقتراب من أعمدة الكهرباء”، مضيفًا: “قبل أشهر توفي طفل في الحارة بسبب سلك ضغط عالٍ تجاري مكشوف، لم يكن مغطى أو عليه أي شريط تنبيه”.

وفي إحدى أسواق حي الباب الكبير، توفي الشاب فواز سعيد الشرعبي (44 عامًا) منتصف يونيو الماضي، بعدما لامس سلكًا كهربائيًا مكشوفًا أثناء محاولته المرور في زقاق ضيق تملؤه التمديدات العشوائية. سقط فواز صريعًا دون أن يسعفه أحد، ولم يُفتح أي تحقيق في الحادثة، ولم تُحاسب أي جهة.

يقول شقيقه فؤاد: “قدمنا شكوى لكنها قوبلت بالتجاهل، ولم يلتفت إلينا أحد، فلا توجد جهات تراقب أو تحاسب. الناس تموت كل يوم، وملّاك المولدات يريدون أموالهم فقط، والدولة مشغولة بأشياء أخرى”.

وفي حادثة مماثلة وقعت في حي المسبح، فقد الشاب العشريني مؤيد العبيدي حياته في 18 مايو الماضي، إثر صعقة كهربائية من سلك مكشوف. كان مؤيد يجلب أغراضًا من مخزن خلفي للبقالة التي يعمل فيها أثناء هطول الأمطار، حيث بلل المطر المكان، وكان السلك الممتد بين الجدران غير معزول، فكانت الكارثة.

ويروي مالك البقالة تفاصيل الحادثة قائلًا: “يعمل مؤيد في محلي منذ شهور، خرج في ذلك اليوم إلى المخزن الخلفي ليأخذ بعض الأغراض، وبعد دقائق وجدناه مرميًا لا يتحرك، بعدما لمس سلكًا مكشوفًا تعرض للبلل ويمر بين الجدران دون أن ينتبه له”.

ويضيف: “نقلناه إلى المستشفى لكنه وصل وقد فارق الحياة. لا كهربائيين تدخلوا لإصلاح التمديدات، ولا الجهة المسؤولة سألت ملّاك المولد. كان مؤيد يعرف أن طريقه إلى المخزن فيه سلك مميت، اليوم هو مات، وغدًا من سيموت؟”.

ولا توجد حتى اللحظة إحصائيات رسمية دقيقة من الجهات المختصة بشأن عدد ضحايا الصعق الكهربائي في تعز، إلا أن مصادر طبية أكدت تسجيل حالات متكررة بشكل أسبوعي، خصوصًا خلال موسم الأمطار، مشيرة إلى أن كثيرًا من الإصابات تنتهي بالوفاة أو بعاهات دائمة.

ويقول طبيب في مستشفى الثورة العام، طلب عدم الكشف عن هويته: “في موسم الأمطار نستقبل أسبوعيًا إصابات بسبب الصعق الكهربائي، ومعظم الحالات ناتجة عن تمديدات تجارية مخالفة أو أسلاك مرتخية، والأخطر مرورها في طرق الناس دون حواجز أو أي وسائل تنبيه”.

ويضيف: “المشكلة تتفاقم مع غياب التنسيق بين السلطات المحلية وملّاك المولدات، إضافة إلى ضعف الرقابة الرسمية وانعدام أي برامج توعية مجتمعية”.

وتبقى “المعضلة الأساسية في غياب جهة تتحمل المسؤولية بشكل واضح”.

ويشير نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن كل شيء في مدينة تعز يتم بشكل عشوائي، حيث يشتري الناس الكهرباء من أقرب مولد، دون أي سؤال عن كيفية تمديد الأسلاك أو مدى سلامتها.

ويرون أن هذه الفوضى ليست قدرًا، بل نتيجة مباشرة لغياب دور المؤسسة العامة للكهرباء، في ظل غياب الخطط لتنظيم هذا القطاع، ومنح تراخيص دون رقابة، وتشغيل مولدات دون تصاريح، حتى أصبحت الكهرباء سببًا مباشرًا للموت، في جريمة لا تحتاج لجانًا بقدر ما تحتاج قرارًا رادعًا.

ومع تزايد الحوادث المأساوية المرتبطة بالكهرباء التجارية في تعز، تعالت أصوات المواطنين المطالبة بحماية الأرواح والممتلكات، في ظل غياب الدولة وانعدام أي رقابة أو تنظيم لهذا القطاع.

يقول المواطن أسامة عبدالله: “ناشدنا الجهات الرسمية مرارًا وتكرارًا دون جدوى، ولم تتجاوب مع مناشداتنا. أصبحت الكهرباء التجارية اليوم خطرًا علينا أكثر من كونها منفعة، وأصبحت تقتلنا تحت صمت الدولة”.

ويضيف: “كم شاهدنا وسمعنا وقرأنا عن حالات وفاة بسبب ماس كهربائي. فقد العشرات من سكان تعز أرواحهم بسبب الكهرباء التجارية”.

ويتابع: “لم نطلب شيئًا كثيرًا، نريد أن نعيش بأمان، لا أن نشتري الكهرباء ونشتري الموت معها. نطالب الجهات المعنية بتحرك عاجل، واتخاذ الإجراءات القانونية ومعايير السلامة المهنية اللازمة بحق مالكي محطات الكهرباء التجارية”.

وفي الوقت الذي يغيب فيه الحل الرسمي، يواصل مواطنو تعز دفع فاتورة قاتلة، ليست كهرباءً فقط، بل أرواح تُفقد، وحزنًا يتعمق في ذاكرة المدينة أسبوعًا بعد آخر.