أثار إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حول وقف العمليات العسكرية ضد مليشيا الحوثي الإرهابية، ردود فعل متباينة في الأوساط اليمنية والإقليمية، حيث رأى يمنيون أن هذا الإعلان لم يكن محض صدفة، بل جاء في سياق تفاهمات إقليمية ودولية تقودها طهران ضمن مفاوضاتها المستمرة مع واشنطن.
وتشير التحليلات إلى أن تعهّد الحوثيين بعدم استهداف خطوط الملاحة الدولية لم يكن قرارًا مستقلًا، بل جاء بإيعاز مباشر من إيران، التي استخدمت الجماعة كورقة ضغط في محادثاتها مع الإدارة الأمريكية، مستغلة التوترات الجيوسياسية لتأمين مكاسب تفاوضية.
وبينما اعتبر بعض المراقبين أن دور الحوثيين كذراع عسكرية لإيران في البحر الأحمر قد وصل إلى نهايته بعد استدعاء الوجود العسكري الأمريكي الكثيف في المنطقة، رأى آخرون أن وقف الضربات الأمريكية جاء في توقيت لافت، سبق التصعيد العسكري بين الهند وباكستان، ما يعزز الفرضية بأن واشنطن كانت تستهدف تأمين حضورها في المحيط الهندي.
وفي هذا السياق، أوضح رئيس مركز "نشوان الحميري للدراسات والإعلام"، عادل الأحمدي، أن وقف إطلاق النار لم يحدث فعليًّا، موضحًا أن "الاستهداف كان من طرف واحد فقط، هو الولايات المتحدة، وهذا ما يجب وضعه بعين الاعتبار حتى لا يتم تحريف الحقائق".
وأكد الأحمدي أن "الحوثيين رضخوا منذ اليوم الثاني من بدء الضربات الأمريكية، إلا أن واشنطن واصلت استهدافها للجماعة إلى أن جاء إعلان ترامب بتوقف العمليات، في توقيت حساس سبق تصاعد التوتر في شبه القارة الهندية بساعات قليلة".
وأشار الأحمدي إلى أن هذا التزامن يثير تساؤلات عدة، خاصة أن الوجود العسكري الأمريكي تعزز في المحيط الهندي، وأضاف: "الحوثيون قدموا اليمن وغزة قربانًا لطهران، وهم يتحركون بأوامر مباشرة من إيران، كأنهم أجهزة إلكترونية لا إرادة لها، ولو فنيت اليمن عن بكرة أبيها لما اهتموا، وإذا طُلب منهم الاستمرار فلن يطرف لهم جفن".
ولطالما تبنّت مليشيا الحوثي خطابًا يربط استهدافها لخطوط الملاحة ومهاجمة السفن التجارية بنصرة غزة، مؤكدة أنها لن توقف عملياتها حتى يتم رفع الحصار ووقف الحرب هناك، ومع ذلك، توقفت الهجمات بشكل مفاجئ، في حين ما تزال غزة تحت الحصار والقصف، ما يضع تساؤلات جدية حول مصداقية الخطاب الحوثي.
وفي هذا الإطار، يرى أحمد عبدربه أبو صريمة، المحلل العسكري والناشط السياسي، أن "الجماعات الأيديولوجية، ومن ضمنها الحوثيون، اعتادت على رفع شعارات مثل تحرير القدس ونصرة غزة، كوسيلة لاستعطاف الشارع وتحقيق أجندات لا علاقة لها بتلك القضايا".
وأضاف: "منذ 2004، والحوثيون يرفعون هذه الشعارات، بينما يخوضون حربًا ضد الدولة اليمنية، وينفذون مشروعًا إقليميًّا مرتبطًا بإيران".
وأوضح أبو صريمة أن الجماعة كانت توظف التصعيد في فلسطين لخدمة أهدافها، بالتوازي مع استخدام إيران للقضية الفلسطينية كورقة في مفاوضاتها النووية.
وقال: "مع وصول ترامب للرئاسة، أدركت طهران أن مرحلة المناورة انتهت، فدفعت بالحوثيين إلى التصعيد، لكن الضغوط الأمريكية والضربات المركزة وضعتهم في مأزق داخلي، تجلّى في أزمات وقود وغذاء، ومؤشرات فوضى وانهيار".
ويرى أبو صريمة أن "إيران اضطرت لتقديم تنازل استراتيجي مؤقت، وطلبت من الحوثيين وقف التصعيد، لتجنّب جر المعركة إلى الداخل الإيراني".
ولفت إلى أن "الحوثيين استسلموا دون أن يحققوا أي مكسب حقيقي لا لغزة ولا لفلسطين، وأصبحت القضية الفلسطينية مجرد شعار فارغ، بينما اليمن يُقدَّم قربانًا لمصالح طهران".
وقد شكّل إعلان ترامب المفاجئ بوقف الضربات العسكرية، صدمة في الأوساط اليمنية والإقليمية، ولا سيما أنه رافقه تصريح بالإفصاح عن "إعلان كبير" قبيل زيارته المرتقبة للشرق الأوسط، ما فتح باب التكهنات حول طبيعة ما سيتم الإعلان عنه.
وفي هذا السياق، عبّر الأكاديمي والمحلل السياسي علي العسلي عن دهشته من هذا التوقيت، قائلًا: "إنها مفاجأة حقيقية، والإشارة إلى إعلان كبير قبيل زيارة ترامب للمنطقة، يزيد من أهمية هذا التوقف المفاجئ".
وأضاف، قائلا: "أعتقد أن وقف العمليات ضد الحوثيين مرتبط بما سيتم الإعلان عنه، وربما يشير إلى تفاهمات شاملة، قد تشمل الاتفاق النووي، وربما تسويات في ملفات أخرى مثل غزة".
وأشار العسلي إلى أن وقف الحوثيين هجماتهم على الملاحة الدولية بتنسيق مع واشنطن، يُعدّ أحد المؤشرات على تحولات أوسع، وربما تمهيدًا لإدخال مساعدات إلى غزة، أو التوصل إلى اتفاق بشأنها.
ورغم أمله بأن تكون هذه الخطوة بداية لحلحلة ملفات المنطقة، أعرب العسلي عن خشيته من أن تسفر تلك التفاهمات عن اعتراف أمريكي بالحوثيين، ما قد يُفضي إلى تقسيم اليمن، أو سيطرة الجماعة عليه بالكامل، بما يمثل تخلّيًا عن الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًّا.