آخر تحديث :الخميس-04 ديسمبر 2025-04:26م

المخلافي في خانة الانتهازية السياسية

الخميس - 04 ديسمبر 2025 - الساعة 03:38 م

صالح ابوعوذل
بقلم: صالح ابوعوذل
- ارشيف الكاتب


عبدالملك المخلافي سياسي يمني يمكن وضعه، دون مجاملة، في خانة الانتهازية السياسية التي عرفتها الساحة اليمنية خلال العقود الأخيرة.

يرفع شعار القومية العربية، ويتقدّم بوصفه أمينًا عامًا سابقًا للمؤتمر القومي العربي وأحد مؤسسيه، لكنه في الممارسة العملية أقرب إلى نموذج السياسي الذي يتكيّف مع ميزان القوى لا مع منظومة قيم ثابتة.

المخلافي قدّم، في أكثر من مناسبة، قراءة حادّة للإسلام السياسي بوصفه نقيضًا للمشروع القومي العربي، واعتبر أن دولًا وأنظمة – في إشارة واضحة إلى السعودية – دعمت التيارات الإسلامية لاستخدامها في مواجهة التيار القومي.

غير أنّ هذا الخطاب النظري لم يُترجم إلى مواقف عملية؛ فالرجل لم يتخذ يومًا موقفًا حقيقيًا من جماعات الإسلام السياسي في اليمن، بل إن مساره الشخصي يرتبط ضمنًا بصعود الإخوان المسلمين في المشهد اليمني.

المفارقة الأبرز أن المخلافي نفسه صعد إلى الواجهة الحكومية وزيرًا للخارجية ضمن منظومة نفوذ إخوانية كانت تدير -بدعم اقليمي- جزءًا كبيرًا من القرار اليمني، ووفّرت الغطاء السياسي لتحويل معركة «الشرعية» إلى مسار يخدم الحوثيين أكثر مما يواجههم.

وإذا كان الرجل حريصًا على الحديث عن «فشل القومية» و«خطيئة المال الخليجي»، فالسؤال البسيط الذي يهرب منه: لماذا فشل الإخوان – الذين تحالف معهم عمليًا ودافع عن خياراتهم – في تحقيق أي إنجاز عسكري حقيقي لصدّ الحوثيين؟

منذ تولّيه حقيبة الخارجية، تبنّى المخلافي خطابًا متماهيًا مع الرؤية الإخوانية، ووقف في صف مشاريعهم وتحالفاتهم، واستمر في ذلك حتى بعد خروجه من المنصب.

ورغم إبعاده عن الخارجية، ظل مرتبطًا سياسيًا ومنهجيًا بالتنظيم العابر للحدود الذي استفاد من الغطاء القومي حينًا، ومن شعار «الدولة المدنية» حينًا آخر، ومن مظلومية «ثورات الربيع» كلما اقتضت الحاجة.

في مقابلة شهيرة على قناة الميادين المحسوبة على محور إيران عام 2012، بينما كانت اليمن تعيش واحدة من أعقد مراحلها، شنّ المخلافي هجومًا عنيفًا على دول الخليج والسعودية خصوصًا، ووصَف دورها بأنه «تدخل خارجي» لا يستهدف إسقاط الأنظمة بل إسقاط الدول.

في تلك المقابلة قدّم قراءة مثالية لأهداف «الربيع العربي»، باعتباره ثورات سلمية تسعى لإسقاط الاستبداد وبناء أنظمة حرة ديمقراطية، لكنه تجنّب تمامًا الإشارة إلى مسؤولية القوى الإسلاموية التي تحالفت مع الاستبداد حينًا، ومع التدخل الخارجي حينًا آخر، ومع المشاريع الإقليمية لحساب إيران وتركيا.

المخلافي ذهب أبعد من ذلك حين اتهم دول الخليج بأنها تملك المال ولا تملك الفكر والمفكرين، وقلّل من شأن أي إنجاز تنموي أو إعلامي أو اقتصادي تحقق في هذه الدول، وكأنه يطالب شعوب الخليج – وفي مقدمتها الشعب السعودي – بالتخلي عن رفاههم والاستقرار الذي يعيشونه والانخراط في ثورة عابرة للحدود بدعوى «التبعية» و«الرجعية»، بينما لم يجرؤ في المقابل على توجيه انتقاد مباشر للنظام الإيراني أو لأذرعه، مع إدراكه تمامًا أن ثمن ذلك قد يكون قاسيًا عليه شخصيًا وسياسيًا.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا: إذا كان نظام علي عبدالله صالح في نظر المخلافي نظامًا استبداديًا، فأين كانت مواقفه حين كان الجنوب يُسحَق أمنيًا وسياسيًا تحت سلطة ذلك النظام؟ وأين كانت بياناته القومية عندما كان الجنوب يُدار بالحديد والنار وتُقصَف المدن ويُعتقل المعارضون ويُهمَّش الناس من حقوقهم؟

اليوم، يعارض المخلافي جهود تطبيع الأوضاع في حضرموت وإخراج القوات المحسوبة على الإخوان المسلمين من مناطق الوادي، رغم أن هذه القوات – سياسيًا وعمليًا – كانت جزءًا من شبكة النفوذ التي فشلت في حماية اليمن من الحوثيين، وفشلت قبل ذلك في بناء نموذج دولة، أو حتى في إدارة معركة واضحة الهدف والنتائج.

المفارقة الأكثر فجاجة أن الرجل الذي قدّم نفسه لعقود في ثوب «القومي الناصري» يعيش عمليًا على هوامش الأنظمة التي يصفها بـ«التبعية»، يهاجمها نهارًا، ثم يلاحق سفراءها ومسؤوليها ليلًا طلبًا لمنصب أو امتياز أو دعم مالي. قومية على المنابر، وواقعية براغماتية عند أبواب السفارات.

اليوم يرأس عبدالملك المخلافي هيئة التشاور والمصالحة، وهي هيئة يفترض نظريًا أن تعمل على تقريب وجهات النظر داخل مجلس القيادة الرئاسي وتخفيف حدّة الصراعات. لكن أداء الرجل يميل إلى مناخ المزايدة والاصطفاف، أكثر منه إلى إدارة التباينات بعقل بارد. وفي محيطه السياسي نماذج تتعمد تحويل العمل العام إلى ضوضاء وشتائم وصراخ على منصات التواصل، أقرب إلى «التهريج السياسي» منه إلى الحوار المسؤول، على شاكلة بعض الأسماء التي اعتادت لغة الإسفاف اللفظي وهي تتحدث عن قضايا مصيرية.

رغم كل ذلك، تظل السعودية دولة مركزية في الإقليم، بثقل سياسي واقتصادي واضح، وما وصل إليه شعبها من طفرة تنموية وتحولات اقتصادية واجتماعية لا يمكن إنكارها حتى من خصومها. المفارقة أن الرياض – التي سبق أن اعترضت على تعيين مسؤولين يمنيين بسبب تغريدات ناقدة لإدارة الملف اليمني – أبدت تسامحًا لافتًا مع أصوات أساءت لها بشكل فج، منهم من قال إن السعودية «دولة سُمّيت على اسم أسرة»، ثم عادوا فبحثوا عن رضاها ومكاسبها.

الانتهازية السياسية فعل قبيح حين يرتدي ثوب القومية العربية نهارًا، ويتلطّى تحت عباءة الإسلام السياسي حين يحتاج إلى منصب، ويغازل عواصم الخليج ليحصل على امتياز أو موقع. وهذه بالضبط الصورة التي يجسدها #عبدالملك_المخلافي اليوم: "قومي بالخطاب، إخواني بالممارسة، وبراغماتي حتى آخر فرصة متاحة".


■ من صفحة الكاتب على إكس