آخر تحديث :السبت-22 نوفمبر 2025-12:42ص

‏«سردية ومونولوغ» محمد العرب بين مأرب وبورتسودان

الجمعة - 21 نوفمبر 2025 - الساعة 12:37 ص

صالح ابوعوذل
بقلم: صالح ابوعوذل
- ارشيف الكاتب


يعرف اليمنيون مراسل قناتي العربية والحدث، محمد العرب ‎@malarab1، منذ سنوات الحرب، وهو يغطي ما كان يُروَّج له كـ “معارك” بين ما يسمى بـ الجيش الوطني — التشكيل الذي كان خاضعًا فعليًا لسيطرة الإخوان في مأرب — وبين ميليشيات الحوثي الموالية لإيران.

المراسل الذي رسّخ صورته بعبارته الشهيرة: «نحن هنا… أين أنتم؟»، قدّم نموذجًا للمراسل الذي يرفع معنويات طرفٍ سياسي، لا للمراسل المهني الذي ينقل الواقع كما هو. فقد روّج لانتصارات لم تحدث، وتحدّث عن تحرير تلال وتباب ظلّت — حتى آخر يوم — في قبضة الحوثيين.

العرب هدّد مرارًا باقتحام ميدان السبعين في صنعاء. بل وأُتيحت له — ولجيش الإخوان — فرصة ذهبية لدخول العاصمة أواخر 2017م، لكن الحسابات الإقليمية قالت كلمتها. فسقط شعار: “نحن هنا… أين أنتم؟”، وانهارت سبعة ألوية في فرضة نهم، تاركة أسلحتها — سعودية حديثة — للحوثيين دون مقاومة تُذكر أمام بضع مئات من المقاتلين.

وفي اللحظة التي انتظر فيها اليمنيون خروج محمد العرب لشرح ما حدث، ظهر ليقدّم رواية وزير الدفاع محمد علي المقدشي حول “الانسحاب التكتيكي”.

وهذه سردية لم يعرفها أي تاريخ عسكري، إذ ما من “انسحاب” يسلم ترسانة كاملة للعدو.

ذلك كان انهيارًا كاملًا، لا يحتاج لتجميل، بل للاعتراف.

ولم يكتفِ العرب بذلك، ولا بثماني سنوات من “الانتصارات الوهمية” في مأرب والجوف وصرواح وقانية والبيضاء، وصولًا إلى بيحان وعسيلان وعين.

لكن حين وصل الحوثيون إلى داخل شبوة — العمق الاستراتيجي للجنوب — استعادتها قوات العمالقة الجنوبية في أقل من شهر، في ضربة غيرت قواعد اللعبة، وتركت القوى التوسعية في حالة ارتباك انتهت بتفاهمات واتفاقات معروفة.

ما شدّني للكتابة ليس الماضي فقط… بل الحاضر.

مونولوغ الحنين الذي كتبَه محمد العرب قبل وصوله السودان بدا وكأنه محاولة لتبرير رحلة مكلفة، لا قراءة مهنية للساحة السودانية.

وما بين مأرب وبورتسودان، لا شيء يتغيّر في سرديته:

المكان يتبدّل… لكن الخطاب واحد: تبرير طرف وإدانة آخر بقالب شعري ناعم يخفي اصطفافًا سياسيًا واضحًا.

ولو أن العرب دخل على صفحة زميلته رشا نبيل، لرآها تقرأ خبرًا عن تسلّم المحكمة الجنائية الدولية ملفًا يُحمّل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مسؤولية انتهاكات جسيمة.

لكن العرب — قبل أن تطأ قدماه الخرطوم — نشر مقالًا يعلن فيه دعمه الكامل للجيش السوداني، واصفًا الطرف الآخر بأنه “ميليشيا مدعومة من الخارج”.

وهنا يبرز سؤال بسيط: هل محمد العرب سوداني؟، وهل كانت الطائرة التي أقلّته إلى بورتسودان سودانية؟، فالمقالة التي نشرها — ويبدو أنها كتبت قبل سفره — جاءت بعنوان: «لماذا ندعم الجيش السوداني في الحرب ضد قوات الدعم السريع؟»

موقفه يناقض تمامًا السردية الدولية، بما فيها موقف المحكمة الجنائية، ولو أن سودانياً كتب هذا الكلام لاحترمنا رأيه، أما أن يأتي من إعلامي قدّم نفس الدعاية في مأرب وكتاف، فهو أمر يثير السخرية قبل التساؤلات.

ومن قراءة مقاله يظهر أنها كتبت قبل أيام من سفره. ولو سألني نصيحة، لنصحته بالتأجيل أسبوعًا، ليقدّم رأيًا نابعًا من الميدان لا من مقعد الطائرة.

فهل نجحت سردية محمد العرب في تفسير حرب السودان؟

الإجابة: لا.

لقد فشل قبل أن يبدأ لأن اصطفافه كان ظاهرًا، وحرب السودان متورط فيها جميع الأطراف.

والأغرب قوله إن “الدعم السريع دخل الخرطوم للنهب”.

هذه رواية يمكن مناقشتها لو أنه قضا أسبوعًا في العاصمة، لا دقائق معدودة.

العرب لم يقدم تحليلًا صحفيًا… بل رسالة سياسية لمن دفع ثمن الرحلة: “هناك طرف يبني الدولة… وطرف يطيح بها”.

لكن هل نتجاهل كل تقارير العالم ونأخذ برواية مراسل؟، كيف… والقضاء الدولي نفسه يؤكد أن الانتهاكات مشتركة؟

وأنا — صالح أبوعوذل — أقف مع الشعب السوداني، وأدعو الله أن يرفع عنهم البلاء، وأن تعود بلادهم آمنة مستقرة.

وشعب السودان لا يستحق من يتاجر بدمه، ولا من يختطف مأساته لأجندات تشبه المرض الخبيث الذي التهم جسد معظم الأقطار العربية.


‎#صالح_أبوعوذل