آخر تحديث :الإثنين-03 نوفمبر 2025-12:56ص

السلام المزعوم.. هروب حوثي من الانقسام والضغط الدولي

الإثنين - 03 نوفمبر 2025 - الساعة 12:53 ص

خالد علاية
بقلم: خالد علاية
- ارشيف الكاتب


في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها المشهد اليمني، تبدو مليشيا الحوثي الإرهابية اليوم أمام مأزقٍ سياسي غير مسبوق، إذ تحاول التغطية على انقساماتها الداخلية وتراجع نفوذها عبر الترويج لخطابٍ زائفٍ عن “السلام”. هذه اللغة التي تتكرر كلما ضاق الخناق على الجماعة، لم تعد تُقنع أحداً، لا في الداخل اليمني ولا في الخارج، خصوصاً بعد انكشاف حقيقتها كجماعةٍ تسعى للهيمنة لا لبناء الدولة.


تتزايد المؤشّرات على أن الحوثيين يعيشون أزمة داخلية خانقة، فالصراعات بين أجنحتهم القيادية بلغت مستوى غير مسبوق، نتيجة تنافسٍ محمومٍ على النفوذ والموارد. هذه الخلافات التي طفت إلى السطح مؤخراً أفقدت الجماعة تماسكها التنظيمي، وأظهرتها ككيانٍ مأزومٍ يترنّح تحت وطأة الانقسامات والضغوط الشعبية والدولية. وفي هذا السياق، جاء تصريح محمد علي الحوثي بأن “صنعاء جاهزة للسلام” كمحاولة يائسة لتصدير أزمة الجماعة الداخلية إلى الخارج، والتظاهر بأنها طرفٌ راغبٌ في التهدئة، بينما الواقع يكشف العكس تماماً.


إن الحديث المتكرر عن السلام ليس سوى هروبٍ من استحقاقاتٍ داخلية تفرضها حالة الغضب الشعبي المتصاعد تجاه سياسات الجماعة القمعية والاقتصادية. فقد باتت مناطق سيطرة الحوثي تغلي بالسخط جراء الجبايات المرهقة، وممارسات القمع والتضييق، وتدهور الأوضاع المعيشية إلى مستوياتٍ كارثية. لذلك، فإنّ ترويج خطاب “التهدئة” في هذا التوقيت ليس إلا محاولة لتخفيف الاحتقان، وإيهام المجتمع الدولي بوجود نيةٍ صادقةٍ نحو السلام.


لكن مضمون الرسائل الصادرة عن قيادات الحوثيين، وعلى رأسها رسالة المرتضى الأخيرة، يكشف أنّ الجماعة ليست بصدد أيّ تسويةٍ سياسيةٍ حقيقية. فالمليشيا التي بنت وجودها على الحرب لا يمكن أن تعيش دونها، وهي تدرك أن أيَّ اتفاقِ سلامٍ جادٍّ يعني عملياً نهاية مشروعها الطائفي وسقوط منظومتها القائمة على القهر والاستبداد. لذلك، تسعى عبر لغةٍ مخادعةٍ إلى كسب الوقت وإعادة ترتيب صفوفها داخلياً تحت مظلة ما تسميه “السلام”.


الواقع أنّ الضغوط الدولية المتزايدة، خصوصاً بعد انكشاف انتهاكات الجماعة في تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية، دفعت الحوثيين إلى محاولة تقديم أنفسهم بصورةٍ أكثر “مرونة”. غير أنّ هذه المناورة السياسية لن تخدع أحداً، فالسلوك الميداني للمليشيا ما يزال قمعياً وعدوانياً، سواء في جبهات القتال أو في المدن التي تخضع لسيطرتها.


في المحصّلة، يظهر أنّ “خطاب السلام” الحوثي ليس سوى ستارٍ شفافٍ يُخفي خلفه مأزقاً داخلياً عميقاً وتصدّعاً متسارعاً في بنية الجماعة. فحينما ترفع المليشيا رايةَ السلام، فذلك يعني ببساطةٍ أنّها في أضعف حالاتها، وأنها تبحث عن مخرجٍ مؤقّتٍ من أزمتها، لا عن سلامٍ حقيقيٍّ يُعيد لليمن أمنه واستقراره.