آخر تحديث :الجمعة-15 أغسطس 2025-12:19ص

فضيحة الوقود في تعز .. نزيف اللترات وشبكة الاستنزاف المنظم

الجمعة - 15 أغسطس 2025 - الساعة 12:19 ص

عبد الواسع الفاتكي
بقلم: عبد الواسع الفاتكي
- ارشيف الكاتب


في مدينة تعز التي ترزح تحت وطأة الحرب والحصار والأزمات المعيشية الخانقة، لم يعد الغش في محطات الوقود مجرد مخالفات فردية أو تجاوزات عابرة، بل تحول إلى سرقة مباشرة من قوت المواطن عبر أساليب دقيقة للتلاعب بالكميات، وتحويل الخدمة إلى أداة استنزاف اقتصادي، في وقت يئن فيه السكان من ضيق الحال.


وتؤكد الحملات الرقابية، التي تنفذ بين الحين والآخر، أن الفساد لم يعد هامشيًا، بل أصبح جزءًا من آلية إدارة الحياة اليومية في قطاع حيوي مثل الوقود. كشفت الحملات الأخيرة، التي نفذتها لجان مشتركة تضم مكاتب الصناعة والتجارة والأجهزة الأمنية، عن مخالفات صارخة: ضبطت محطة تعبئ 17.5 لترًا فقط مقابل 20 لترًا مدفوعة الثمن، أي نقص بنسبة 12.5% في كل تعبئة. هذه الأرقام، التي قد تبدو للبعض هامشية، تتحول إلى خسارة جماعية ضخمة على مستوى المدينة، فضلاً عن كونها جريمة اقتصادية تمس حياة كل سائق وكل أسرة.


ولم تعد عمليات الغش تعتمد فقط على مهارات بدائية في تعديل العدادات أو التلاعب في التعبئة، بل انتقلت إلى استخدام عدادات إلكترونية متطورة قادرة على إعطاء قراءة مضللة للمستهلك، ما يعكس التنظيم الممنهج لممارسات الغش، والعجز النسبي للأدوات الرقابية التقليدية عن كشف الأساليب الحديثة للتحايل.


تعاني الجهات المختصة في تعز من نقص الكوادر المدربة وضعف الإمكانيات الفنية واللوجستية، وغياب آليات متابعة صارمة، ما يمنح المخالفين شعورًا بالإفلات من العقاب، ويجعل الغش خيارًا مربحًا، ويتيح لملاك المحطات تعظيم أرباحهم عبر استغلال حاجة الناس الملحة وغياب المنافسة.


المشكلة ليست في غياب النصوص القانونية التي تجرم الغش التجاري والتلاعب بالأوزان والكميات، بل في ضعف تطبيقها وعدم وجود متابعة لضمان عدم عودة المحطات المخالفة إلى أساليبها السابقة. تشمل الإجراءات الحالية حملات تفتيش، وإغلاق محطات مخالفة، وإحالة القضايا للنيابة، ومرافقة أمنية للفرق الرقابية، لكنها غالبًا ما تكون موسمية وردود فعل آنية بعد تفجر الشكاوى، وليست جزءًا من سياسة رقابية مستمرة.


المطلوب تحويل الحلول من ردة فعل إلى استراتيجية مستدامة، عبر تحديث أدوات الرقابة، وتشديد العقوبات على المخالفين، وتكامل وتنسيق مؤسسي بين السلطة المحلية وشركة النفط والأمن والنيابة. حين يشعر المواطن أن الدولة تحميه، وأن كل لتر يدفع ثمنه يصل إليه كاملًا، يمكن الحديث عن استعادة الثقة وبناء قطاع وقود عادل وشفاف، يكون جزءًا من ركائز الاستقرار الاقتصادي والخدمي، لا أداة من أدوات النهب والغش والتربح غير المشروع.