من المؤسف أن تتحول وزارة التعليم العالي في اليمن، وهي الجهة المنوط بها رعاية مستقبل الشباب، إلى أداة لتقويض هذا المستقبل. فبدلًا من أن تكون الوزارة هي الحاضنة والداعمة للطلبة المبتعثين، أصبحت تمارس ضدهم سياسات تعسفية وتلاعبًا سافرًا بالمنح الدراسية، مما ينذر بعواقب وخيمة على الأجيال القادمة.
إن ملف الابتعاث الطلابي لطالما كان نافذة الأمل للشباب اليمني الطموح، إذ يمثل فرصة ذهبية لاكتساب العلم والمعرفة في أرقى الجامعات العالمية، ثم العودة للإسهام في بناء الوطن. لكن هذه النافذة بدأت تضيق يومًا بعد يوم بسبب الإجراءات البيروقراطية المعقدة، والتأخير المتعمد في صرف المستحقات المالية، والتلاعب بمعايير الاختيار، وغياب الشفافية في توزيع المنح.
يعاني الطلاب المبتعثون من تأخر مزمن في صرف مستحقاتهم المالية، مما يضطرهم إلى الاستدانة أو الاعتماد على دعم الأهل والأقارب، وفي كثير من الأحيان يضطرون إلى ترك الدراسة والتفرغ للبحث عن عمل لسد احتياجاتهم الأساسية. هذا التأخير ليس مجرد إهمال، بل هو تعذيب نفسي وجسدي للطلاب وعائلاتهم.
كما يشكو العديد من الطلاب من غياب معايير واضحة وشفافة في اختيار المرشحين للمنح الدراسية. فبدلًا من الاعتماد على التفوق الأكاديمي والكفاءة العلمية، يبدو أن المحسوبية والواسطة تلعب دورًا حاسمًا في الحصول على هذه الفرص الثمينة. هذا الأمر يقتل الطموح ويحبط المتميزين، ويشجع على الفساد والمحسوبية.
وبدورها تتجاهل الوزارة بشكل كبير التواصل مع الطلاب المبتعثين والاستماع إلى مشاكلهم واحتياجاتهم. فبدلًا من أن تكون الوزارة هي المرجع الذي يلجأ إليه الطلاب في أوقات الشدة، أصبحت تمارس سياسة "الأذن الصماء" وتتجاهل رسائلهم وطلباتهم وفي بعض الحالات، تقوم الوزارة بتغيير التخصصات الدراسية للطلاب المبتعثين دون مبرر مقنع، مما يجبرهم على دراسة مواد لا يرغبون فيها ولا تتناسب مع قدراتهم وميولهم. هذا الإجراء يؤثر سلبًا على تحصيلهم العلمي ويقلل من فرص نجاحهم في المستقبل.
إن هذه الممارسات التعسفية والتلاعب بالمنح الدراسية لها نتائج كارثية على مستقبل الأجيال القادمة، منها:
يأس وإحباط العديد من الطلاب المبتعثين الذي يدفعهم إلى عدم العودة إلى الوطن بعد التخرج، مما يؤدي إلى خسارة اليمن لخبرات وكفاءات كانت في أمس الحاجة إليها.
كما يؤدي غياب الدعم والتشجيع للطلاب المبتعثين إلى تدهور مستوى التعليم في اليمن، حيث يفتقر الخريجون إلى المهارات والمعارف اللازمة للمساهمة في التنمية والازدهار.
ولا يجب ان نغفل ان هذه الممارسات تشجع على انتشار الفساد والمحسوبية في المجتمع، حيث يرى الشباب أن النجاح لا يعتمد على الكفاءة والاجتهاد، بل على الواسطة والمحسوبية.
إننا نناشد القيادة السياسية والحكومة اليمنية إلى التدخل العاجل لوقف هذا العبث بمستقبل الأجيال القادمة. كما يجب محاسبة المسؤولين المتورطين في هذه الممارسات التعسفية، وتطبيق معايير واضحة وشفافة في اختيار المرشحين للمنح الدراسية، وتوفير الدعم المالي والمعنوي للطلاب المبتعثين.
إن الاستثمار في التعليم هو الاستثمار الحقيقي في مستقبل اليمن. فإذا أردنا بناء وطن قوي ومزدهر، يجب علينا أن نولي اهتمامًا خاصًا بالتعليم وأن ندعم الطلاب المبتعثين ونمكنهم من تحقيق أحلامهم وطموحاتهم.