آخر تحديث :الأحد-05 مايو 2024-12:56م

داء التقديس.. وعقدة التبعية المفرطة!

الخميس - 25 أبريل 2024 - الساعة 11:50 م

همدان الصبري
بقلم: همدان الصبري
- ارشيف الكاتب


رفع مكانة البشر إلى منزلة الرهبة والخشوع، وتجاوز مستوى الاحترام والتقدير إلى الاحتفاء الروحي، والتبجيل المبالغ به، والتنزيه والتعظيم وإضفاء بعض الصفات خارج إطارها البشري، كل ذلك يمثل "داء التقديس"!. بينما تدني احترام الذات والشعور العميق والمستمر عند الفرد بعدم كفاءته، والإحساس بالعجز وصولاً لتسليم العقل والعاطفة بشكل كلي -أو شبه كلي- إلى إنسان آخر لديه نفس مكونات الجسم التي تؤدي نفس الأدوار الوظيفية والعقلية والمنطقية، كل ذلك يمثل "عقدة التبعية"!.

إشكالية "داء التقديس" لكل من يمشي على رجلين، تكمن بتسليم العقل وخضوع الوجدان، وعمى البصيرة، وتجميد إعمال العقل، وخواء داخلي يٌغيب الإدراك، وهالة تلزم المُصاب بها بالتضحية من أجل المُقدَس، وإحساس متلازم بحرمة النقد، وداء جسيم يعبر عن الجهل والتخلف ويفقد توازن الذات ونقاهة المنطق للفرد والمجتمع!.

بينما إشكالية "عقدة التبعية" أنها تقود المصاب بها إلى الانقياد الأعمى، والتعصب المفرط بنمطه السلبي، واتكالية التابع الكلية على المتبوع، وانكفاء التحكم بالوجدان، وتقلقل مشاعري وعدم ثبات انفعالي، وتأصيل مبدأ ثقافة القطيع، وتبدد الشخصية وصولاً إلى الخمول الفكري والكسل الذهني والتبلد الثقافي والشلل الوظيفي والكساح الوجداني والإعياء العاطفي!.

لم تضيع البلدان، ولم تدمر الأوطان، ولم تتراجع المجتمعات، ولم يهمش أدوار المؤسسات، ولم ترم الدساتير والقوانين واللوائح والأنظمة بقارعة الطريق وبمكب النفايات؛ إلا نتيجة داء التقديس وعقدة التبعية المفرطة!. علماً أن داء التقديس وعقدة التبعية يعاني منها العديد من المصابين بأمراض الخنوعية والعكفوية بمختلف توجهاتها، وسواءً كان ذلك بتقديس وتعظيم فرد أو فئة أو عرق أو طبقة أو قائد أو زعيم أو مُحدَث أو واعظ أو فقيه أو غيره.

اخيراً، تقاس اتزان الشخصية الماثلة للرثاء أو البغض أو النقد أو المدح أو الهجاء؛ باتزان محبيه، وحلم مبغضيه، وحصافة مادحيه، ورزانة ناقديه، وحلم كارهيه، وحكمة من يثني عليه أو يهجوه، وبعدم تسببه بـ داء التقديس من مؤيديه، أو بعقدة التبعية المفرطة من داعميه!. كما يظل المرء مهاباً إلا أن يصاب بـ داء تقديس الأشخاص، ويقع في وحل عقدة التبعية المفرطة بمختلف أنماطها وأشكالها. شتان ما بين الاحترام والتقدير والتقديس والتعظيم؛ لأن الثنائية الأولى تبدأ من قبول العيوب، لا من تقديس المزايا. ترحموا على موتاكم، وأثنوا على الأحياء منهم، واذكروا محاسنهم بعقلانية ورصانة واتزان أو الزموا الصمت؛ ولكن دون تقديس ومبالغة وتعظيم وتبجيل، ودون إخراجهم عن إطارهم البشري الاعتيادي المألوف!.