وانا طالب في الصف الخامس الإبتدائي تقريبا حبيت مربية الفصل .
كنت طالب شقي حينها وكانت أستاذة جميلة وحبوبة وتستلطفني في الفصل بكلمات رقيقات مثل:
- روح هات طباشير ياحبيبي
- لا ياقلبي ماينفعش كذا
- ها حبيبي ماتشتي ؟
- تعال ياروحي
- مالك يانظر عيني
وعلى هذا الرحيل كل يوم لوما بلطحت لي مشاعري تماما و آخذت الموضوع من جد وهات ياحُب ومحبابة سكته بسكته من دون ما اكاشفها بحقيقة مشاعري ؛ ومن دون ماقولها احبك بصريح العبارة وحتى من دون ما اقولها : اسير أدي طباشير ياحبيبتي .
ومرت الأيام من بعد ذلك وقلبي الأخجف مزقرع بحبها الدفين خفية ؛ وكلما اكون متواجدا داخل الفصل ؛ كل زملائي الطلبة يكونوا مركزين على سبورة الدرس طبعا ؛ عداي انا فقط مقعي بينهم إلى وجهها الحسين ؛ اشوفه واعيش مشاعر الحب الطفولي المتدفق إليها من حصة إلى أخرى ؛ ومشتي حصص اليوم الدراسي تنتهي خالص ؛ ولا اشتي حتى اسمع جرس المرواح من المدرسة يدق في مسمعي .
وفي المساء العيال في بيوتهم يذاكروا ويحلوا الوجبات عداي انا عبده المغرم؛ معطوف فوق دفتر الواجبات اكتب لها شعر مخبى بين الصفحات وارسم لها القلوب الحمراء في واجهة دفتر الواجب ؛ وانحت لها شكل الحرفين الأولين من اسمها ومن اسمي بخطوط واضحة الملامح ؛ واتركها لها واضحة في ذيل صفحات الواجب المنزلي .
واسير إلى المدرسة في كل يوم وانا فاقد لها شاموت .
ومعي في شنطتي سندويتش "فول" رائحته تغطي على رائحة عطرها الخفيف المشموم في أرجاء الفصل .
وتشل دفتر الواجب حقي معها تصححه في غرفة المدرسين وترجع به الى الفصل وقد شمها بين الطلبة فول بينما يكون شم دفتر واحباتي قد أصبح بين يديها يفوح ملان رئتيا برائحة عطرها الجميل .
وانام الليل في بيتنا وانا حادف لدفتر الواجب حقي تماما كأي عاشق متيم ومغرم ومش عارف كيف يبوح بمشاعره الدفينة لأستاذة حلوة كثيرة اللطف .
في إحدى الإمتحانات الشهرية كانت اوراق اجابات زملائي في الفصل كلهل مليئة بالإجابات ؛ عدا ورقة اجاباتي انا فقط كانت مليانه بمشاعر حب صغير يحبي إليها من بين السطور ؛ وبرسم واضح لقلب احمر يخترقه سهم من الوسط ؛ ومرت من أمامي وانا على هاذيك الحالة من الغرام وشافت ورقة إجاباتي فارغة وقالت لي :
- مالك متأخر في الجواب ياحبيبي ؟ هيا ماعد فيش وقت واني اشتيك تجتهد أكثر و تتقدم بسرعة .
قصدها اتقدم في دروسي طبعا ..
لكن قلبي تقعلل داخل الفصل بسرعة من أثر الكلمة المسموعة من صوتها الناعم الذي هز لي كياني وقلت لها على طول ؛ بحماس الرجل الشرقي الاخحف ؛ أنها كلها سنتين ثلاث فقط واتقدم .
قصدي اتقدم لخطبتها .
ولكنها شهقت باستغراب وقالت لي بنبرة عتب وتحفيز :
- لااااا حبيبي أني فدالك سنتين كثير !
وتبلطحت مشاعري أكثر وأكثر لحظتها داخل الفصل وتسارع قلبي الصغير بالنبضات وحسيت بأني مطالب بسرعة التقدم ومادريت كيف اجاوب عليها ولا كيف اقنعها ان سنتين او ثلاث او حتى خمس يادوب يكفين على بال مايرتب الواحد نفسه ويشتري الدبلة والشبكة وبقية لوازم الفرح !
وحاولت أن اتجرأ امامها بالكلام وكان نفسي أقول لها " طيب على الأقل راعي لي لما اكمل الدراسة " ولكنها كانت قد ذهبت من أمامي مستعجلة وصوتها الناعم يقول لي :
- هيا اقطب ياقلبي لا تتأخر
سلمت لها ورقة إجاباتي اخر واحد من الطلبة يومذاك وأنا أفكر بحياتي الزوجية القادمة معها .
كانت ورقة إجاباتي بين يديها تبدو مثل عريضة عاشق متظلم يطلب فيها المزيد من الوقت عشان تكون الأمور مرتبة صح ؛ ويطالبها في نفس الوقت أيضا بعدم الإستعجال في اتخاذ القرار .
وأعادت لي ورقة إجاباتي في اليوم الثاني داخل الفصل وكانت قد صححتها بالقلم الاحمر ؛ واعطتني الدرجة التي استحقها على كل جواب متعلق باسئلة الإمتحان الشهري ووضعت أمام كل جواب صحيح علامة (صح) عدا القلب الأحمر الذي يخترقه سهم ؛ أكست عليه في الورقة ؛ ووضعت أمامه بالخط الأحمر علامة ( خطأ) .
وطلبتني من بعد ذلك إلى غرفة المدرسين أثناء فترة الراحة وقالت لي بكل لطف على انفراد :
- اجتهد وانجح في دروسك أولا( ياولدي الحبيب)وبعدين حب واتمحبب .
كانت مربية فصل ودودة جدا وتتمتع بقدر عال من الثقة بالنفس وكان الدرس الذي تعلمته منها عظيم ومؤثر بما يكفي لإن يبقى حلقة في أذني حتى كبرت .
. . . . . . . . . .
من كتاب " بلد في حارة " سنة 2008