آخر تحديث :الخميس-12 سبتمبر 2024-01:16ص

نقاط تمهيدية لا بد منها..

الأربعاء - 04 سبتمبر 2024 - الساعة 11:43 م

نشوان العثماني
بقلم: نشوان العثماني
- ارشيف الكاتب


(1)

- العلم، "مجموعة معارف وبحوث منظمة تهدف إلى فهم وتفسير الظواهر الطبيعية عبر قواعد دقيقة ومنهجية تعتمد على الملاحظة والتجربة"، أي جزء من معرفة بشرية منظمة، بهدف اكتشاف القوانين العامة التي تحكم الطبيعة من خلال الاستدلالات المنطقية والملاحظات الموثوقة.

- الفلسفة، "حب الحكمة" و"البحث عن الحقيقة"، أي دراسة المبادئ الأولى للمعرفة والوجود، بهدف فهم الطبيعة الإنسانية، والكون، والوجود عبر التأمل والتحليل النقدي.
تحاول الفلسفة الإجابة عن الأسئلة الكبرى المتعلقة بالحياة، والأخلاق، والمعرفة، والواقع بطريقة منهجية وعقلانية.

- الدين، "مجموعة من المعتقدات والممارسات المرتبطة بكيان إلهي أو قوى فوق طبيعية"، غالبًا ما يتضمن طقوسًا وأخلاقًا تنظم حياة الفرد والمجتمع؛ جزء من محاولات البشر لفهم الغايات العليا والوجود ومعناها، يعتمد على الإيمان والاعتقاد في القوى التي تتجاوز القدرة الإنسانية.

- "تبدأ الفلسفة من حيث ينتهي العلم"، لتناول الأسئلة والتأملات التي قد تكون خارج نطاق التحقق العلمي، مثل معنى الحياة، وجود الإله، أو الطبيعة المطلقة للواقع.

- سرعة الضوء وثابت الجاذبية قوانين أساسية في الطبيعة، تم قياسها وتأكيدها من خلال تجارب علمية دقيقة، وهي أساسيات لا تحتاج تفسيرًا في حد ذاتها بالنسبة للعلم، لكن ليس كذلك بالنسبة للفلسفة واللاهوت والفهم عمومًا.
وهذه القوانين بقدر ما هي صفات أساسية للكون كما نعرفه، إلا أنها مختلفة هي الأخرى عن البديهية الأساسية في الرياضيات ٢ + ٢ = ٤، مثلًا.

"لماذا القوانين دقيقة؟" قد يبدو سؤال غير علمي، لكنه محاولة لفهم طبيعة الكون على مستوى أعمق من حدود العلم المجرد. مع أن علمًا كالفيزياء النظرية، على سبيل المثال، ما زال يحاول الوصول إلى تفسير شامل عن "لماذا" تعمل القوانين بهذه الطريقة. ويمكن للسؤال عن دقة القوانين أن يكون مدخلًا لاستكشاف مجالات مثل "نظرية كل شيء" أو فهم الأسباب الكامنة وراء ثوابت الطبيعة.

(2)
كنا سألنا:
(كيف تفسر ثبات القوانين الفيزيائية مثل سرعة الضوء وثابت الجاذبية ودقتها المتناهية؟)
أجاب حبيب سروري Abdulrab:
"السؤال غير علمي أساسًا (...) كيف تفسر أن ٢ زايد ٢ يساوي ٤ دائمًا؟
كيف تفسر دقة السنتمتر الذي يساوي دائمًا ١٠٠ مليمتر.
عندما يعطيك العلم جوابًا دقيقًا، سؤال: كيف تفسر أن الجواب دقيق؟ لا محل له من الإعراب."
أضاف:
"إلا إذا تريد بالغصب أن هناك خالقًا؛ لأن ٢ زايد ٢ يساوي ٤ دومًا."

(3)
أقول:
أولًا:
ثمة فرق بين الرياضيات والفيزياء من حيث التركيز والأسلوب. السؤال عن "لماذا ٢ + ٢ = ٤؟" هو سؤال رياضياتي بحت يعتمد على بديهيات الرياضيات (وهي افتراضات أساسية تُعتبر صحيحة ومسلّم بها دون الحاجة إلى برهان). في المقابل، السؤال عن دقة الثوابت الفيزيائية يشير إلى محاولة فهم الأسس التي يقوم عليها الكون.
الفيزياء ليست مجرد أرقام ثابتة، بل هي علم يبحث في طبيعة الواقع المادي.

ثانيًا: من المهم أن نعترف أن الرغبة في فهم الأسباب العميقة وراء دقة القوانين والثوابت الطبيعية ليست غير مبررة، بالعكس، هذه أسئلة محفزة للبحث والتقدم العلمي، ولو كانت إجابتها تتجاوز الفيزياء الحالية.

ثالثًا: هناك سؤال مهم جدًا، هو "من قونن القوانين؟"
أو بمعنى آخر "من وضع القوانين التي تحكم الكون؟"
وهو سؤال فلسفي عميق يتجاوز الحدود التقليدية للعلم.
ليس خطأ طرح السؤال. (لأنه سؤال مهم يمس القضايا الأساسية المتعلقة بأصل الكون والمعنى الأعمق للوجود.)
وهي تساؤلات تقع في منطقة التداخل والاشتباك من جهة، والافتراق وربما التمييز من جهة أخرى، بين الفلسفة واللاهوت والعلوم.
...
لا اللاهوت ينفي الفلسفة والعلم، ولا العلم ينفي الفلسفة واللاهوت، ولا الفلسفة تنفي اللاهوت والعلم.
...
وأن نسأل: ما معنى دقة هذه القوانين، هو سؤال عن: كيف وُجد كل ما يحيط بنا؟
هل نتغاضى عن سؤال من هذا النوع؟
لماذا؟
بأي حق؟

ولذلك، تبدأ الفلسفة والتساؤلات العميقة في هذا الجانب من حيث ينتهي العلم. وسنأتي على ضرب مثال فيما سيأتي.

(4)
لمزيد التوضيح:
- المنظور العلمي، توصيف لا تفسير.
بمعنى أن العلم يركز على وصف القوانين الطبيعية وكيفية عمل الكون بناءً عليها، دون أن يجيب على سؤال "لماذا هذه القوانين موجودة أصلًا؟" أو "من وضع هذه القوانين؟"، بل يهتم بكيفية عملها واكتشافها. إذ عادة ما يرى العلماء القوانين الفيزيائية جزءًا لا يتجزأ من طبيعة الكون نفسه، دون الافتراض بالضرورة وجود "مقونن" خارجي لهذه القوانين.
لماذا؟
لأن العلم لا يصل إليه، ولا يستطيع بحثه ودراسته.
لكن ذلك لا يعفي طرح السؤال (البديهي جدًا طرحه)، سواء من داخل هذا العلم ذاته أو من خارجه.

دعونا نضرب مثالًا.
في مكان ما من هذا العالم، وفي زمن بعيد، قد يكتشف أحدهم بالصدفة وجود سيارة.
السؤال الطبيعي والبديهي جدًا:
- كيف وُجدت هذه السيارة؟
- ومن أوجدها؟
وإذ لم يستطع هذا الإنسان الوصول إلى "من"، ورأى استحالة الوصول إليه، سوف يرى أنه لا طائل منه، ما يحتم عليه الاهتمام بـ"كيف". وسوف يتمحور كل اهتمامه على كيف صُنعت، من أي مواد، بأي طريقة... إلخ.
وهذه حدوده الطبيعية.
وهي اليوم ذاتها حدود العلم، لكنه قد لا يكتفي بها غدًا.

ومن ذلك، لا يستطيع العلم الوصول إلى صانع كوكب الأرض. من المستحيل أن يلتقيه على نحو مادي.
إذن في هذه الحالة، لا بد من أن ندرس كوكب الأرض فقط، كيف تكون، كيف يدور، وكيف وكيف، وما القادم؟... إلخ.

نتفهم ذلك، ونراعي خصوصيته.
لكن على هذا العالم أو ذاك ألا يقول لنا: لا يوجد أي تساؤل خارج العلم.
لا.
هنا سنقول له: توقف قليلًا صديق، فنجان شاي محلكد؛ لأن سؤالًا من هذا النوع لأي إنسان أن يطرحه وأن يسعى لفهمه، سواء قاده ذلك للتفلسف، أم قادمه للعلم أو الإيمان.

(5)
ماذا تبقى؟
قد يسخر أي عالم، بالقول:
ولذلك تسمون كل هذا الغموض الـ يحيط بنا (إله)؟
أقول:
لا، الغموض أمر قد يُدرك يومًا ما، وتباعًا، لكننا إزاء من لا يُدرَك إلا بشكل مختلف، العلم ذاته لا يستطيع التوصل إليه.
ولذلك، لدينا عالمان مختلفان، من جهة الصفات، لكنهما يقتربان جدًا حد اللقاء المباشر ليكونا معًا من حيث السمات.

(6)
عندما ننظر إلى الكون، نرى نظامًا معقدًا ودقيقًا.
ننظر فقط؟
لا.
ننظر ونتساءل وندرس:
كيف جاء؟
كيف وُجد؟
وكما أننا لا نفترض أن السيارة قد وُجدت من تلقاء نفسها، يمكن للمرء أن يستنتج أن هناك "مصممًا" أو "صانعًا" وراء هذا الكون المعقد. وهو ما يشير إلى ما يُعرف بـ"الحجة الغائية"، التي لا بد أن تشير بشكل أو بآخر إلى وجود مهندس أعظم/خالق.

(7)
لبقية اللا مؤمنين: ابتعدوا ألف سنة ضوئية عن اتهام هذا النقاش بـ"البعرة والبعير" والرفيقة "عبير".
كما لا علاقة لنا بـ"سمير".

(8)
خلاصته:
العلم لا يقدم إجابات حول "من" صنع الكون أو "لماذا" هو موجود؟ لأنه يعرف حدوده، وهذا جيد، ولأنها أسئلة تتجاوزه.
والعلم مهم جدًا للإنسانية كالطعام والهواء.
...
ومن ذلك، لكي نعرف طعم الفراولة علينا استخدام اللسان لا الإصبع.
المسوا الفراولة بالإصبع، شاهدوها بالعين، واطعموها باللسان. مفيدة للصحة.

(9)
خلاصة الخلاصات:
الغياب المادي لهذا الصانع لا ينفي وجوده، بل يمكن أن يُفهم على أنه دليل على طبيعة هذا الصانع؛ خارج نطاق الإدراك الحسي البشري.
والإدراك الحسي مع ذلك ليس كل شيء؛ لأن الإنسان أكثر وأعمق. وفيه، لا في مكان آخر، كل شيء.

(10)
الخميس، 5 سبتمبر/أيلول 2013، قبل أحد عشر عامًا، رحل عن عالمنا "إبراهيم مثنى".
وهو الآن في حياة أفضل.
يا للرحيل الذي نتذكر!
للتو، وقبيل نشر هذه السردية، قفزت الصورة إلى الواجهة، واستعادت الذاكرة سنوات خلت.

قبلات أبدية لروحك الخالدة.